عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: مقص العار وقتل الطفولة

“سبع سنوات سجن لمن يختن فتاة”… بهذا العنوان العريض جاء التعديل التشريعي الصادر في فبراير 2021، كجزء من معركة طويلة وشاقة تخوضها الدولة المصرية ضد واحدة من أقدم وأخطر الجرائم المرتكبة بحق الإناث: ختان البنات. هذه الظاهرة التي تُمارس في الخفاء، بين جدران البيوت وداخل عيادات غير مرخصة، باسم العفة تارة، وبحجة الدين تارة أخرى، تُسلب من خلالها آلاف الفتيات طفولتهن وحقهن في الجسد والحياة.

 

لكن، هل تكفي سبع سنوات في السجن لردع مجتمع بأكمله عن ممارسة موروث يمتد لقرون؟

 

جريمة باسم الطهارة

 

رغم التحريم الديني الصريح من الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية، لا تزال فكرة “الطهارة” تُستخدم كمبرر لختان الإناث في كثير من المناطق الريفية والشعبية. ما زالت بعض الأمهات يهمسن لبناتهن أن “العملية ضرورية عشان تظلي محترمة”، فيما يعتبرها بعض الآباء وسيلة “لضبط السلوك الجنسي” كما يتوهمون.

 

لكن العلم والواقع يقولان شيئًا آخر. تقول الدكتورة هالة عدلي، أستاذة أمراض النساء، إن ختان الإناث لا يسبب فقط آلامًا جسدية حادة، بل يترك ندوبًا نفسية أعمق تدوم لسنوات. وأضافت: رأيت بناتًا فقدن الثقة في أنفسهن، وعانين من كوابيس واكتئاب بسبب تلك اللحظة التي قررت فيها الأسرة أن تغتال براءتهن باسم الشرف.”

 

تعديلات القانون: نقطة تحوّل أم حبر على ورق؟

 

في عام 2008، صدر أول قانون يجرم ختان الإناث. لكنه ظل ضعيفًا، وتُعامل الجريمة كـ”جنحة” بعقوبة لا تتجاوز السجن لعامين.

لكن بعد موجات من الغضب الشعبي، وقصص مأساوية مثل وفاة الطفلة “بدور” في المنيا عام 2007، والطفلة “نجوى” في أسيوط عام 2020، جاء تعديل القانون عام 2021 ليجعل الختان جناية، ويعاقب الطبيب أو القائم على الجريمة بالسجن المشدد من 5 إلى 7 سنوات، وتصل إلى 15 عامًا إذا ترتب عليها عاهة أو وفاة. كما يعاقب من روج أو سهل أو أجبر الطفلة، بما في ذلك أولياء الأمور.

 

رغم هذا التعديل القوي، تُظهر الإحصاءات الرسمية أن معدلات الختان لا تزال مرتفعة. بحسب المسح الصحي السكاني لعام 2022، فإن 86% من النساء في مصر خضعن للختان، ورغم انخفاض النسبة إلى 61% بين الفتيات اللاتي تقل أعمارهن عن 19 عامًا، فإن الأرقام لا تزال مرعبة.

 

العقبة الحقيقية: العُرف أقوى من القانون

 

القانون يتحدث بلغة العدالة، لكن الواقع يتحرك بإيقاع العُرف والمجتمع. تقول “أم دعاء”، من محافظة سوهاج: أنا مش ضد القانون، بس البنت لازم تتطهر. كده أحسن ليها… والناس هتقول إيه لو ما عملتهاش؟

 

هذا النوع من التفكير يعكس عمق الأزمة: قانون قوي، ولكن مجتمع لا يزال أسير مفاهيم قديمة وخرافات موروثة. وهنا تظهر الحاجة إلى تغيير حقيقي في الثقافة وليس فقط في النصوص.

 

الأطباء تحت المجهر: بين أخلاقيات المهنة والربح السريع

رغم تجريم الختان، لا تزال بعض العيادات تروج له كـ”خدمة طبية”. وتُجرى كثير من العمليات دون أوراق أو فواتير، بمبالغ تبدأ من 300 جنيه وتصل إلى 1500 جنيه، حسب المكان والمُنفذ.

 

في 2022، أُدين طبيب في محافظة الشرقية بالسجن 7 سنوات بعد تسببه في عاهة مستديمة لطفلة أثناء عملية ختان. وأعلنت نقابة الأطباء حينها أنها ستحيل كل من يثبت تورطه إلى لجنة تأديب، تصل قراراتها إلى الشطب النهائي من سجل المهنة.

 

لكن ما لم يتغير هو أن الختان لا يزال يُجرى على يد من يُفترض أن يكونوا حماة للصحة والكرامة الجسدية.

 

حملات التوعية: المعركة الأهم

إلى جانب القبضة القانونية، أطلقت الدولة مبادرات عدة لتوعية الأسر والمجتمع، أبرزها:

“احميها من الختان” بالتعاون بين وزارة الصحة والمجلس القومي للمرأة

“معًا لإنهاء ختان الإناث” بالشراكة مع اليونيسيف

“صوتك قوة” التي استهدفت نساء الصعيد والقرى المغلقة ثقافيًا

وقد بدأت هذه الحملات تؤتي ثمارها، حيث أبلغت آلاف الأسر عن تراجعها عن الختان بعد حضور ورش التوعية، كما ظهرت أصوات فتيات شجاعات رفضن الخضوع للجريمة، ووقفن في وجه ضغط العائلة.

 

الختام: هل تكفي السجون لردع المقص؟

 

المعركة ضد ختان الإناث في مصر ليست قانونية فقط، بل هي معركة وعي وفهم وتحول اجتماعي عميق. فبينما يُمكن للقانون أن يُرهب الجناة، وحده الوعي يمكنه أن يُنقذ الضحايا قبل أن يُمسّ جسدهن.

وحدها الأم التي تقول “لأ” بفخر، هي التي تضع نهاية حقيقية لمقص العار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى