عاجلمقالات

سامح عبد الغني يكتب: سور مجرى العيون

يُعد سور مجرى العيون من أعظم المعالم الأثرية التي تعكس براعة المصريين القدماء في تصميم الأنظمة المائية. أُنشئ في عصر صلاح الدين الأيوبي كجزء من مشروع طموح لتزويد قلعة صلاح الدين بالمياه، وأعيد ترميمه وتطويره في عصور لاحقة، لا سيما في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون. يمتد هذا السور لمسافة تزيد على ثلاثة كيلومترات، ويتألف من سلسلة من القناطر المدببة التي تحمل فوقها مجرى مائي متصل بآبار ضخمة داخل القلعة.

 

يرمز السور للتفوق المعماري والهندسي في العصور الوسطى، كما يشهد على الجهود المستمرة للحفاظ عليه وترميمه ليظل شاهدًا حيًا على التاريخ المصري.

 

 

◄ التاريخ والأهمية التاريخية

 

– البناء الأول في عصر صلاح الدين الأيوبي

 

بدأت فكرة إنشاء سور مجرى العيون في عهد صلاح الدين الأيوبي لتلبية حاجة القلعة إلى المياه. استخدم الحجر النحيت في بناء السور، وارتبط بمشروع شامل لتحصين القاهرة وتزويدها بالخدمات الأساسية.

 

– التجديد في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون

 

شهد السور تطورًا كبيرًا في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، حيث أُعيد بناؤه على مرحلتين شملتا إنشاء أربع سواقي لرفع المياه من النيل إلى مجرى السور. كان الهدف من هذا المشروع الطموح هو ضمان تدفق المياه إلى القلعة بشكل مستمر.

 

– عصر السلطان الغوري والعصر العثماني

 

قام السلطان الغوري بإضافة مأخذ مياه جديد يحتوي على ست سواقي بالقرب من مسجد السيدة نفيسة. في العصر العثماني، أُدخلت إصلاحات على السور واستخدمته الحملة الفرنسية كحصن عسكري.

 

 

◄ مكونات السور والتصميم المعماري

– القناطر المدببة

 

يتألف سور مجرى العيون من سلسلة من القناطر المدببة التي تدعم القناة المائية في أعلاه. هذه العقود مبنية بدقة هندسية لتحمل ثقل المياه وضمان تدفقها بسلاسة.

 

– برج المأخذ

 

برج المأخذ، الواقع في بداية السور، هو منشأة معمارية سداسية الشكل تحتوي على ست سواقي. يعمل هذا البرج كنقطة انطلاق لتوزيع المياه عبر السور.

 

– الأحواض والقنوات

 

تتصل القناطر بأحواض حجرية تتجمع فيها المياه قبل توزيعها. يتميز التصميم بفعاليته في منع تسرب المياه وضمان استخدامها بكفاءة.

 

 

◄ وظائف السور وأهميته الحضارية

 

– توفير المياه للقلعة والمناطق المحيطة

 

كان الهدف الأساسي من السور هو نقل المياه من النيل إلى قلعة صلاح الدين، حيث كانت تُستخدم للشرب وري المزروعات.

 

– دور السور في الدفاع

 

في العصور اللاحقة، استخدم السور لأغراض عسكرية، حيث أصبح موقعًا استراتيجيًا للمراقبة والدفاع ضد الأعداء.

 

– شهادة على التقدم الهندسي

 

يعكس سور مجرى العيون تقدم المصريين في مجالات الهندسة المدنية وإدارة الموارد المائية خلال العصور الوسطى.

 

◄ أعمال الترميم والتطوير

 

– مشروع الترميم الحديث

 

شهد السور أعمال ترميم واسعة شملت إزالة التعديات وتنظيف الأحجار ومعالجة التشققات. كما أُعيدت صيانة السواقي الخشبية وإعادة تأهيل الممرات الداخلية والسلالم.

 

– تطوير المنطقة المحيطة

 

تضمنت الجهود إنشاء حدائق ومسارات سياحية لتحسين تجربة الزوار، مع الحفاظ على الطابع الأثري للمنطقة.

 

– حماية السور من المخاطر البيئية والبشرية

 

تم اتخاذ إجراءات لمنع إقامة مبانٍ تؤثر سلبًا على الشكل الأثري للسور، بالإضافة إلى صيانة الحرم الأثري المحيط به.

 

◄ السياحة والثقافة في سور مجرى العيون

– وجهة سياحية فريدة

 

أصبح السور وجهة مميزة للسياح المهتمين بالتاريخ والهندسة المعمارية، حيث يجذب الزوار المحليين والدوليين على حد سواء.

 

– المهرجانات الثقافية

 

تنظم المنطقة المحيطة بالسور مهرجانات وفعاليات ثقافية تهدف إلى تسليط الضوء على التراث المصري وتعزيز الوعي بأهميته.

 

– التصوير السينمائي والتلفزيوني

 

بفضل طابعه الأثري، يُعد السور موقعًا مفضلاً لتصوير الأفلام الوثائقية والدرامية التي تتناول تاريخ مصر.

 

◄ التحديات المستقبلية والحفاظ على الأثر

– التلوث البيئي والتغيرات المناخية

 

يشكل التلوث وتغير المناخ تحديات كبيرة تهدد استدامة السور.

 

– التعديات العشوائية

 

رغم الجهود المبذولة، لا تزال بعض التعديات العشوائية تؤثر على المنطقة المحيطة بالسور.

 

– نقص التمويل

 

تتطلب مشاريع الترميم والصيانة تمويلًا مستمرًا للحفاظ على السور كجزء من التراث الثقافي المصري.

 

يمثل سور مجرى العيون أحد أبرز المعالم الأثرية في القاهرة، حيث يعكس هذا السور عبقرية العمارة الإسلامية والهندسة المائية التي خدمت مصر على مدار قرون طويلة. أُنشئ السور في العصر الأيوبي بهدف توفير المياه لقلعة صلاح الدين الأيوبي، وشهد العديد من الترميمات والتوسعات خلال العصور المملوكية والعثمانية. اليوم، يخضع السور لمشروع تطوير شامل يعيد له مكانته التاريخية ويربط الماضي بالحاضر.

 

◄ عبقرية هندسية في العصور الوسطى

أنشأ صلاح الدين الأيوبي سور مجرى العيون كجزء من نظام مائي متكامل يهدف إلى تزويد القلعة بالمياه. تم بناء السور من الحجر النحيت، وجُهز بمجموعة من السواقي التي ترفع المياه من نهر النيل عبر قنوات إلى داخل القلعة. كانت هذه السواقي تشكل نقلة نوعية في إدارة الموارد المائية، حيث اعتمدت على قنوات محمولة على عقود مدببة لزيادة قوة تدفق المياه.

 

◄ أبرز معالم السور الأثري

– يمتد السور لمسافة تقارب ثلاثة كيلومترات، من فم الخليج حتى منطقة باب القرافة بميدان السيدة عائشة.

 

– يحتوي على 292 فتحة أو عقدة، تعكس تصميمًا معماريًا بديعًا.

 

– برج المأخذ، الذي يمثل بداية السور، يتميز بشكله السداسي وأحواضه الحجرية التي تعمل على توجيه المياه بدقة.

 

◄ أعمال التجديد

شهد السور اهتمامًا كبيرًا من سلاطين المماليك الذين عملوا على تجديده بالكامل.

 

– في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون:

 

أُعيد بناء السور على مرحلتين، وتم إنشاء أربع سواقي لرفع المياه من خليج صغير بالقرب من حائط الرصد.

 

– في عهد السلطان الغوري:

 

أُضيف مأخذ مياه جديد مزود بست سواقي، بالقرب من مسجد السيدة نفيسة، لضمان تدفق المياه إلى قلعة صلاح الدين.

 

◄ التعديلات في العصر العثماني

– أُجريت إصلاحات على نظام السقاية.

 

– استخدمت الحملة الفرنسية بعض أجزاء السور كحصن عسكري، وتم تعديلها لتلائم وضع المدافع.

 

– قام محمد علي باشا بإنشاء تفريعات تصل المياه إلى قبة الإمام الشافعي ومدفن الأسرة المالكة.

 

◄ مشروع الترميم الحديث

في إطار جهود وزارة السياحة والآثار للحفاظ على التراث المصري، تم إطلاق مشروع ترميم شامل لسور مجرى العيون.

 

◄ مكونات المشروع

– ترميم السواقي الخشبية: تم صيانتها بدقة للحفاظ على الشكل التاريخي والوظيفي للسور.

 

– إزالة التعديات: أُزيلت جميع التعديات التي أثرت على الحرم الأثري للسور.

 

– تنظيف ومعالجة الأحجار: تمت إزالة طبقات السناج والأتربة وإعادة الأحجار إلى حالتها الأصلية.

 

– تطوير المنطقة المحيطة: تم إنشاء حدائق وممرات سياحية لإبراز جمال السور.

 

 

◄ أهداف المشروع

– تعزيز الجذب السياحي للمنطقة.

 

– الحفاظ على الطابع الأثري والتاريخي للسور.

 

– تحسين الخدمات المقدمة للزوار بما يعكس قيمة هذا المعلم الفريد.

 

◄ القيمة الثقافية والأثرية

لا يقتصر دور السور على كونه إنجازًا معماريًا فقط، بل يمثل جزءًا من هوية القاهرة التاريخية. فقد كان هذا السور شريان الحياة للقلعة والمناطق المحيطة بها. كما أنه شاهد على تطور العمارة الإسلامية، التي استخدمت تقنيات مبتكرة في البناء والهندسة.

 

◄ سور مجرى العيون في الثقافة الشعبية

يظهر السور في العديد من الأعمال الفنية والأدبية التي تحتفي بالقاهرة القديمة.

 

يعد السور مصدر إلهام للمهتمين بالتراث والتاريخ الإسلامي.

 

◄ التحديات المستقبلية

رغم الإنجازات التي تحققت في مشروع الترميم، تظل هناك تحديات تواجه الحفاظ على سور مجرى العيون، من بينها:

 

1- مخاطر التعديات: استمرار الأنشطة العشوائية في المناطق المحيطة بالسور.

 

2- التغيرات البيئية: تأثير التلوث والعوامل الجوية على الأحجار التاريخية.

 

3- التوعية المجتمعية: الحاجة إلى تعزيز وعي السكان والزوار بأهمية الحفاظ على هذا المعلم.

 

سور مجرى العيون ليس مجرد جدار حجري قديم، بل هو شاهد حي على تاريخ القاهرة وعبقرية أجدادنا في مواجهة التحديات. مع مشروعات الترميم والتطوير الحالية، يمكن لهذا المعلم أن يستعيد مكانته كوجهة سياحية بارزة تعكس جمال وتراث مصر الغني. ومن خلال الحفاظ على هذا الأثر، نضمن نقل إرثنا الحضاري للأجيال القادمة، ليظل رمزًا للتاريخ والابتكار.

 

ويعتبر هو إرث حضاري يروي قصة تطور المجتمع المصري عبر العصور. يمثل هذا السور رمزًا للتفوق الهندسي والمعماري، كما يعكس رؤية قادته في إدارة الموارد المائية وتعزيز البنية التحتية. اليوم، يشكل السور جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية لمصر، مما يجعل حمايته واستدامته ضرورة حتمية لضمان استمراره كمعلم تاريخي وحضاري للأجيال القادمة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى