عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: عقوبة الخطأ الطبي في قانون المسئولية الطبية

في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها القطاع الطبي، تزايدت الحاجة إلى وضع تشريعات واضحة تحكم العلاقة بين الأطباء والمرضى، خصوصًا في حالات الأخطاء الطبية التي قد تؤدي إلى عواقب كارثية. ويأتي قانون المسؤولية الطبية ليضع حدًا فاصلًا بين الممارسات الطبية المشروعة وبين التجاوزات التي قد تعرض حياة المرضى للخطر. ومع الموافقة عليه رسميًا، أصبح هذا القانون محل اهتمام واسع لما يحمله من تأثيرات مباشرة على الأطباء، المؤسسات الصحية، والمرضى على حد سواء.

 

مفهوم الخطأ الطبي وفقًا للقانون

 

يعرّف القانون الخطأ الطبي بأنه أي تصرف أو تقصير من قبل الطبيب أو الفريق الطبي يؤدي إلى إلحاق ضرر بالمريض نتيجة الإهمال، عدم الالتزام بالمعايير الطبية المتعارف عليها، أو اتخاذ قرارات طبية خاطئة بناءً على تشخيص غير دقيق. ويشمل ذلك:

 

إجراء عمليات جراحية غير ضرورية أو خاطئة، كإزالة عضو سليم بدلاً من العضو المصاب.

 

إعطاء أدوية غير مناسبة أو جرعات زائدة تؤدي إلى مضاعفات خطيرة أو الوفاة.

 

إهمال متابعة حالة المريض بعد العمليات الجراحية أو أثناء فترة العلاج.

 

التشخيص الخاطئ للأمراض الخطيرة مما يؤدي إلى تأخر العلاج وتفاقم الحالة الصحية.

 

القيام بإجراءات طبية دون الحصول على موافقة المريض أو أهله في الحالات الضرورية.

 

 

تمييز القانون بين الخطأ الطبي والمضاعفات الطبية

 

يُفرق القانون بوضوح بين الخطأ الطبي والمضاعفات الطبية، إذ لا يُعاقب الطبيب على المضاعفات الناتجة عن العلاج طالما أنه اتبع المعايير المهنية السليمة واتخذ كل الإجراءات الوقائية المطلوبة. لذا، فإن التحقيق في الشكاوى الطبية يعتمد على اللجان الطبية المتخصصة، التي تُحدد ما إذا كان الضرر ناتجًا عن إهمال الطبيب أم أنه أمر طبيعي ضمن احتمالات العلاج.

 

عقوبات الأخطاء الطبية وفق القانون الجديد

 

حرص المشرّع في القانون الجديد على وضع عقوبات متدرجة وفقًا لدرجة الخطأ الجسيم، وذلك لضمان تحقيق العدالة وعدم ظلم الأطباء في الحالات غير المقصودة. وتشمل العقوبات:

 

  1. 1. العقوبات الجنائية (السجن والغرامات)

 

الحبس لمدة تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات في حال تسبب الخطأ الطبي في إصابة المريض بعاهة مستديمة نتيجة الإهمال أو عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

 

السجن من 3 إلى 10 سنوات في حال أدى الخطأ الطبي إلى وفاة المريض بسبب إهمال جسيم أو خطأ فادح.

 

السجن المؤبد أو الإعدام في الحالات التي يثبت فيها أن الطبيب تعمد ارتكاب الخطأ لأسباب غير مهنية، مثل إجراء تجارب طبية غير مصرح بها على المرضى.

 

غرامات مالية تصل إلى ملايين الجنيهات، تُحدد بناءً على جسامة الخطأ والأضرار الناتجة عنه.

 

 

  1. 2. العقوبات المهنية والإدارية

 

إيقاف الطبيب عن العمل مؤقتًا إذا ثبت وجود إهمال جسيم.

 

سحب ترخيص مزاولة المهنة نهائيًا في الحالات التي يكرر فيها الطبيب الأخطاء الجسيمة.

 

إغلاق المنشأة الطبية إذا ثبت تورطها في تكرار الأخطاء الطبية أو العمل دون ترخيص قانوني.

 

 

  1. 3. التعويضات المدنية لضحايا الأخطاء الطبية

 

يمنح القانون المرضى المتضررين أو أسرهم حق المطالبة بتعويض مالي ضخم مقابل الأضرار الجسدية والنفسية التي تعرضوا لها، على أن يتم تحديد مبلغ التعويض بناءً على تقرير اللجان الطبية المختصة.

 

دور اللجان الطبية في التحقيق والمحاسبة

 

بهدف تحقيق العدالة في قضايا الأخطاء الطبية، ينص القانون على تشكيل لجان طبية محايدة تضم خبراء في التخصصات الطبية المختلفة، تكون مسؤولة عن:

 

  1. 1. التحقيق في الشكاوى المقدمة ضد الأطباء والمؤسسات الصحية.

 

  1. 2. إعداد تقارير فنية تحدد ما إذا كان الضرر ناتجًا عن خطأ طبي أم مضاعفات طبيعية.

 

  1. 3. تقديم توصيات قانونية بشأن العقوبة المناسبة وفقًا لدرجة الإهمال أو التقصير.

 

 

 

تأثير القانون على القطاع الصحي

 

أثار القانون الجديد ردود فعل متباينة بين الأطباء والمرضى، حيث يرى البعض أنه خطوة ضرورية لحماية حقوق المرضى ومنع الإهمال الطبي، بينما يخشى بعض الأطباء من أن يؤدي إلى ملاحقتهم قانونيًا حتى في الحالات التي لا يكون فيها الخطأ متعمدًا.

 

إيجابيات القانون

حماية حقوق المرضى: يضمن لهم الحق في الحصول على رعاية طبية آمنة ومقاضاة أي طبيب يثبت إهماله.

رفع جودة الخدمات الصحية: يُلزم الأطباء والمستشفيات بتطبيق أعلى معايير السلامة لتجنب المساءلة القانونية.

محاربة الدخلاء على مهنة الطب: يضع القانون قيودًا صارمة على مزاولة المهنة، مما يمنع الأطباء غير المؤهلين من العمل.

 

التحديات التي قد تواجه تطبيق القانون

 

احتمالية تعرض الأطباء للملاحقة القانونية حتى في الحالات التي لا يكون فيها خطأ متعمد.

الخوف من اتخاذ قرارات طبية صعبة في الحالات الحرجة، مما قد يؤثر على سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنقاذ حياة المرضى.

احتمالية استغلال بعض المرضى للقانون لمقاضاة الأطباء دون وجود أسباب حقيقية.

 

هل سيكون القانون كافيًا للحد من الأخطاء الطبية؟

 

على الرغم من أن قانون المسؤولية الطبية يشكل خطوة مهمة في تنظيم المهنة وحماية حقوق المرضى، إلا أن نجاحه يعتمد على تطبيقه بطريقة عادلة ومتوازنة. ويحتاج إلى إجراءات مكملة، مثل:

 

تعزيز دور التدريب الطبي المستمر لضمان رفع كفاءة الأطباء.

 

تحسين بيئة العمل في المستشفيات لمنع الأخطاء الناتجة عن الإرهاق وضغط العمل.

 

نشر الوعي بين المرضى حول حقوقهم وواجباتهم لمنع الاستغلال القانوني ضد الأطباء.

 

 

الخاتمة

يمثل قانون المسؤولية الطبية نقلة نوعية في حماية حقوق المرضى وضبط أداء القطاع الصحي، لكن نجاحه يتطلب تحقيق التوازن بين مساءلة الأطباء عند الخطأ، وبين توفير بيئة عمل عادلة لهم حتى يتمكنوا من أداء مهامهم دون خوف من الملاحقة القانونية غير المبررة. ويبقى السؤال الأهم: هل سيؤدي هذا القانون إلى تقليل الأخطاء الطبية، أم أنه سيزيد من الأعباء القانونية على الأطباء ويؤثر على اتخاذهم للقرارات العلاجية؟ الأيام القادمة ستكشف مدى فاعلية هذا القانون في تحسين مستوى الرعاية الصحية وحماية جميع الأطراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى