عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: الخطأ الطبي الجسيم في القانون

شهد مجلس النواب المصري خلال الفترة الأخيرة مناقشات مكثفة حول مشروع قانون المسؤولية الطبية، والذي يهدف إلى وضع إطار قانوني واضح يحدد مسؤولية الأطباء في حال وقوع أخطاء طبية جسيمة. جاءت هذه التعديلات استجابةً للجدل المستمر بين الأطباء والمرضى حول ضرورة التفرقة بين الأخطاء الطبية العادية التي قد تحدث أثناء الممارسة المهنية، وبين الأخطاء الجسيمة التي تنتج عن إهمال شديد أو انحراف خطير عن المعايير الطبية المتعارف عليها.

 

مع إقرار التعديلات، أصبح من الضروري فهم طبيعة الخطأ الطبي الجسيم، معاييره، تبعاته القانونية، وتأثير هذه التعديلات على الممارسة الطبية في مصر.

 

أولًا: ما هو الخطأ الطبي؟

 

الخطأ الطبي بوجه عام هو انحراف الطبيب عن القواعد والأصول العلمية والمهنية في تقديم الرعاية الصحية، سواء بسبب الإهمال، قلة الخبرة، أو عدم اتباع الإجراءات الطبية الصحيحة. ومع ذلك، ليس كل خطأ طبي يُعتبر جسيمًا، حيث تختلف درجة الخطأ تبعًا لعدة عوامل، منها طبيعة الإجراء الطبي، مدى التزام الطبيب بالمعايير المهنية، ومدى تأثير الخطأ على صحة المريض.

 

أنواع الأخطاء الطبية

 

  1. 1. الخطأ العادي:

 

يحدث رغم اتخاذ الطبيب لكافة الاحتياطات والإجراءات اللازمة.

 

لا يكون ناتجًا عن إهمال جسيم، وإنما بسبب تعقيدات طبية أو ظروف خارجة عن السيطرة.

 

قد يؤدي إلى ضرر بسيط أو متوسط للمريض، لكن بدون قصد أو تهور.

 

  1. 2. الخطأ الجسيم:

 

يكون ناتجًا عن إهمال أو تقصير فادح.

 

يترتب عليه ضرر بالغ، مثل العجز الدائم أو الوفاة.

 

يتم تصنيفه كجريمة تستوجب العقوبة في بعض الحالات.

 

ثانيًا: معايير تصنيف الخطأ الطبي الجسيم في القانون الجديد

 

حددت التعديلات الأخيرة عدة معايير تجعل الخطأ الطبي يُصنف على أنه جسيم، ومنها:

 

  1. 1. عدم الالتزام بالبروتوكولات الطبية المعتمدة

 

إجراء عمليات أو وصف أدوية دون اتباع الإجراءات العلمية المتفق عليها.

 

تجاوز صلاحيات الطبيب وعدم الرجوع إلى استشاريين مختصين في الحالات المعقدة.

 

  1. 2. الإهمال الفادح في اتخاذ الاحتياطات اللازمة

 

مثل نسيان أدوات جراحية داخل جسم المريض، أو إعطاء جرعة زائدة من دواء خطير.

 

إهمال متابعة حالة المريض بعد العملية، مما يؤدي إلى تدهور حالته الصحية.

 

  1. 3. القيام بإجراءات طبية تجريبية دون موافقة المريض أو دون ضرورة طبية

 

كإجراء تجارب على أدوية أو تقنيات جديدة دون الحصول على موافقة واضحة من المريض.

 

إجراء عمليات غير ضرورية فقط لأغراض البحث العلمي أو التدريب دون إبلاغ المريض.

 

  1. 4. تعاطي المواد المخدرة أو الكحول أثناء العمل الطبي

 

أي خطأ طبي يحدث نتيجة فقدان الطبيب لتركيزه بسبب تعاطي المخدرات أو الكحول يعتبر خطأً جسيمًا يستوجب المساءلة القانونية.

 

  1. 5. عدم التدخل العاجل في الحالات الحرجة

 

رفض الطبيب علاج مريض في حالة طوارئ دون مبرر قانوني أو طبي واضح.

 

تأخير تقديم الإسعافات الأولية لمريض يحتاج إلى تدخل فوري، مما أدى إلى تدهور حالته أو وفاته.

 

ثالثًا: تأثير التعديلات على الأطباء والمرضى

 

  1. 1. تأثير التعديلات على المرضى

 

حماية أكبر للمرضى: التعديلات تسهم في ضمان حصول المرضى على رعاية صحية آمنة، ومعاقبة الأطباء المهملين الذين يتسببون في أخطاء جسيمة.

 

الحد من حالات الإهمال الطبي: مع تشديد العقوبات، سيصبح الأطباء أكثر حرصًا في أداء عملهم، مما يقلل من الأخطاء الجسيمة.

 

زيادة ثقة المرضى في النظام الصحي: عندما يشعر المرضى أن هناك قانونًا يحميهم، فإن ذلك سيزيد من ثقتهم في الأطباء والمستشفيات.

 

  1. 2. تأثير التعديلات على الأطباء

 

تقليل الدعاوى الكيدية ضد الأطباء: القانون يفرق بين الأخطاء العادية والجسيمة، مما يحمي الأطباء من المساءلة غير العادلة.

 

زيادة الضغط المهني: قد يخشى بعض الأطباء من اتخاذ قرارات طبية حاسمة خوفًا من المساءلة القانونية، مما قد يؤثر على جودة الخدمة الطبية المقدمة.

 

تعزيز الالتزام بالمعايير الطبية: سيصبح الأطباء أكثر التزامًا بالبروتوكولات الطبية لتجنب الوقوع في الأخطاء الجسيمة.

 

رابعًا: العقوبات التي نص عليها القانون في حالات الخطأ الطبي الجسيم

 

وفقًا للتعديلات الأخيرة، فقد تم تشديد العقوبات في حالات الأخطاء الجسيمة، وتشمل:

 

  1. 1. عقوبات جنائية

 

في حال تسبب الخطأ الطبي الجسيم في وفاة المريض أو إحداث عجز دائم، قد يُحكم على الطبيب بالسجن لفترة تتراوح بين 3 إلى 10 سنوات.

 

إذا ثبت تعمد الطبيب ارتكاب الخطأ، قد تصل العقوبة إلى السجن المشدد.

 

  1. 2. غرامات مالية وتعويضات

 

إلزام الطبيب أو المنشأة الطبية بدفع تعويض مالي كبير للمريض أو ذويه.

 

فرض غرامات مالية تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات في بعض الحالات.

 

  1. 3. إيقاف أو سحب ترخيص مزاولة المهنة

 

في حال تكرار الأخطاء الجسيمة، قد يتم إيقاف الطبيب عن العمل مؤقتًا أو دائمًا.

 

قد تُفرض عقوبات إدارية، مثل الإيقاف عن العمل لمدة زمنية محددة أو منع الطبيب من ممارسة بعض التخصصات الطبية.

 

خامسًا: تأثير التعديلات على النظام الصحي في مصر

 

رفع مستوى جودة الخدمات الطبية: مع فرض رقابة صارمة، سيصبح الأطباء أكثر التزامًا بالمعايير الطبية.

 

تقليل الأخطاء الطبية: تشديد العقوبات سيجعل الأطباء أكثر حذرًا، مما يؤدي إلى انخفاض حالات الإهمال الطبي.

 

تعزيز ثقافة المساءلة: سيؤدي تطبيق القانون بشكل عادل إلى تعزيز مبدأ المحاسبة، مما يحسن أداء الأطباء ويقلل من التجاوزات.

 

خاتمة: تشكل التعديلات التي أقرها مجلس النواب خطوة هامة نحو تنظيم الممارسة الطبية في مصر، وتحقيق توازن بين حماية حقوق المرضى وضمان عدم تعرض الأطباء للمساءلة التعسفية. ومع ذلك، يبقى التحدي الأهم هو كيفية تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع بطريقة تحقق العدالة وتحافظ على جودة الخدمات الطبية.

 

هل تعتقد أن هذه التعديلات ستساعد في تحسين جودة الرعاية الصحية أم أنها قد تشكل عبئًا على الأطباء؟ شاركنا برأيك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى