
بينما يُعرف انقطاع الطمث طبيًا بتوقف الدورة الشهرية لمدة عام كامل، تسبقه مرحلة تمهيدية تُعرف بـ “سنوات ما قبل انقطاع الطمث” (Perimenopause)، وهذه الفترة التي قد تمتد لسنوات عديدة، تشهد تغيرات هرمونية تدريجية في جسم المرأة، مما يؤدي إلى ظهور مجموعة واسعة من الأعراض الجسدية والنفسية.
ورغم تباين هذه الأعراض من امرأة لأخرى، إلا أن الوعي بها يُعد مفتاحًا لفهم الجسد وإدارة هذه المرحلة الحياتية بكفاءة.
الأسباب الكامنة وراء تغيرات ما قبل انقطاع الطمث
تُعزى معظم أعراض ما قبل انقطاع الطمث إلى التقلبات الهرمونية، وبالأخص مستويات هرموني الإستروجين والبروجسترون، وفقًا لموقع “Healthline” الطبي، يبدأ المبيضان تدريجيًا في إنتاج كميات أقل من هذه الهرمونات، التي تلعب دورًا محوريًا في تنظيم الدورة الشهرية والعديد من وظائف الجسم الأخرى، فهذه التقلبات ليست خطية أو ثابتة، بل تتميز بالصعود والهبوط، مما يفسر الطبيعة المتقطعة والمتغيرة للأعراض.
كيف تتعرفين على سنوات ما قبل انقطاع الطمث؟
تتجسد هذه المرحلة في مجموعة من العلامات التي تستدعي الانتباه، وأبرزها:
تغيرات الدورة الشهرية: تُعد هذه من أولى العلامات وأكثرها وضوحًا. قد تلاحظ المرأة تغيرًا في انتظام الدورة، فتصبح أقصر أو أطول، أو تتباعد الفترات بينها. كما يمكن أن يختلف حجم النزيف، ليصبح أخف أو أثقل من المعتاد. تُعزى هذه التغيرات بشكل مباشر إلى التقلبات في مستويات الإستروجين والبروجسترون التي تؤثر على بطانة الرحم.
الهبات الساخنة والتعرق الليلي: هي إحدى السمات المميزة لهذه المرحلة. تشعر المرأة بحرارة مفاجئة وشديدة تنتشر عادة في الوجه والرقبة والصدر، وقد يصاحبها احمرار وتعرق. تحدث هذه الهبات نتيجة تأثير التقلبات الهرمونية على مركز تنظيم درجة حرارة الجسم في الدماغ. وعندما تحدث ليلًا، تُعرف بـ “التعرق الليلي”، والذي يمكن أن يؤثر سلبًا على جودة النوم.
اضطرابات النوم: يُصبح النوم الهادئ تحديًا للكثير من النساء في هذه الفترة. قد تواجه المرأة صعوبة في الخلود إلى النوم (الأرق) أو الاستمرار فيه. يُعزى ذلك بشكل أساسي إلى انخفاض مستويات هرمون البروجسترون، الذي له تأثير مهدئ ومساعد على النوم، بالإضافة إلى تأثير التعرق الليلي المزعج.
التغيرات المزاجية: تُعد التقلبات المزاجية الحادة والسريعة أمرًا شائعًا. قد تشمل أعراضًا مثل الانفعال، الغضب، القلق، وحتى نوبات من الاكتئاب. تُعزى هذه التغيرات بشكل كبير إلى تأثير التقلبات الهرمونية على النواقل العصبية في الدماغ التي تنظم المزاج.
ضبابية الدماغ ومشاكل التركيز: قد تشعر بعض النساء بصعوبة في التركيز، نسيان بعض الأمور، أو ما يُعرف بـ “ضبابية الدماغ”. هذه الظاهرة عادة ما تكون مؤقتة وقد ترتبط باضطرابات النوم والتغيرات الهرمونية.
تغيرات في الرغبة الجنسية: يمكن أن تشهد الرغبة الجنسية تقلبات خلال هذه الفترة، وقد تتراجع لدى بعض النساء.
تغيرات الجهاز البولي: يؤدي انخفاض مستويات الإستروجين إلى ترقق وجفاف الأنسجة المهبلية، مما قد يسبب حكة، تهيج، وألمًا أثناء العلاقة الحميمة. كما يمكن أن تزيد هذه التغيرات من خطر الإصابة بالتهابات المسالك البولية المتكررة أو الشعور بالحاجة الملحة للتبول.
سبل الوقاية والعلاج لإدارة الأعراض وتحسين جودة الحياة
لا يمكن “الوقاية” من سنوات ما قبل انقطاع الطمث كعملية فسيولوجية طبيعية، ولكن يمكن إدارة أعراضها بفعالية للتخفيف من تأثيرها على جودة الحياة. يشمل العلاج والوقاية الجانبين الطبي ونمط الحياة:
- 1. التعديلات في نمط الحياة
النظام الغذائي الصحي: اتباع نظام غذائي متوازن غني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، والحد من الكافيين والسكر والأطعمة المصنعة، يمكن أن يساعد في استقرار مستويات الطاقة وتقليل التقلبات المزاجية.
النشاط البدني المنتظم: ممارسة التمارين الرياضية بانتظام (مثل المشي السريع، اليوغا، السباحة) تحسن المزاج، تقلل من الهبات الساخنة، وتحسن جودة النوم.
تقنيات إدارة التوتر: اليوغا، التأمل، تمارين التنفس العميق، وأوقات الاسترخاء اليومية يمكن أن تساعد في التحكم بالقلق والتوتر المرتبطين بالتقلبات المزاجية.
تحسين جودة النوم: الحفاظ على جدول نوم منتظم، تهيئة بيئة نوم باردة ومظلمة وهادئة، وتجنب الشاشات قبل النوم، يمكن أن يقلل من الأرق. في حال التعرق الليلي، يمكن استخدام أغطية خفيفة وملابس نوم قطنية.
تجنب المحفزات: تحديد وتجنب العوامل التي تزيد من الهبات الساخنة، مثل الأطعمة الحارة، الكافيين، الكحول، والتدخين.
الحفاظ على ترطيب الجسم: شرب كميات كافية من الماء يمكن أن يساعد في تخفيف جفاف المهبل.
- 2. الخيارات الطبية والعلاجية
العلاج بالهرمونات البديلة (HRT): يُعد العلاج بالهرمونات البديلة الخيار الأكثر فعالية لتخفيف العديد من أعراض ما قبل انقطاع الطمث، خاصة الهبات الساخنة والتعرق الليلي وجفاف المهبل. يتضمن استبدال الهرمونات التي يتوقف الجسم عن إنتاجها. يجب أن يتم هذا العلاج تحت إشراف طبي دقيق وبعد تقييم شامل للمخاطر والفوائد لكل حالة على حدة.
الأدوية غير الهرمونية: توجد خيارات دوائية غير هرمونية يمكن أن تساعد في تخفيف أعراض محددة، مثل بعض مضادات الاكتئاب التي يمكن أن تقلل من الهبات الساخنة والتقلبات المزاجية، أو الأدوية التي تساعد على النوم.
العلاجات الموضعية: في حالات الجفاف الشديد، يمكن استخدام كريمات أو أقراص الإستروجين الموضعية لترطيب الأنسجة دون الحاجة إلى علاج هرموني جهازي.
المكملات الغذائية والأعشاب: بعض المكملات مثل الكالسيوم وفيتامين د مهمة لصحة العظام. وهناك بعض الأعشاب التي يُعتقد أنها تخفف الأعراض، ولكن يجب استشارة الطبيب قبل تناول أي مكملات أو أعشاب، حيث قد تتفاعل مع أدوية أخرى أو يكون لها آثار جانبية.
الدعم النفسي: في حالات التغيرات المزاجية الحادة أو الاكتئاب، قد يكون الدعم النفسي أو العلاج السلوكي المعرفي مفيدًا جدًا.