
في عصر تحكمه الشاشات، بات من المعتاد أن نرى طفلا صغيرا يحدق لساعات في الهاتف أو التابلت دون انقطاع،لكن خلف هذا المشهد المألوف، تختبئ حكاية صامتة تهدد قدرة هذا الطفل على تعلم اللغة، وتشكيل صوره الذهنية عن العالم من حوله.
فقد كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة “ساوثرن ميثوديست”في دالاس بالولايات المتحدة، أن الإفراط في استخدام الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية خلال مرحلة الطفولة المبكرة قد يضعف بشكل مباشر من تطور مهارات الطفل اللغوية، ويقلل من فعالية التعلم الطبيعي القائم على التفاعل الحسي والواقعي.
الموز.. مجرد صورة لا تكفي
تشرح سارة كوشر، أخصائية علم النفس المشاركة في الدراسة، أن الطفل الصغير يحتاج إلى لمس الأشياء الحقيقية، والتفاعل معها بحواسه حتى يتمكن من فهم المفردات وبناء اللغة.
وتضرب مثالا واضحا: “لكي يتعلم الطفل كلمة مثل موز، لا يكفي أن يراها على الشاشة، بل يجب أن يلمس الثمرة، يشمها، يلاحظ شكلها من زوايا مختلفة، ليكون تصورا مجسما عنها”.
في المقابل، عرض صورة أو مقطع فيديو سريع عبر الهاتف لا يمنح الدماغ نفس التجربة الحسية التي تحتاجها دوائر اللغة في المخ للنمو بشكل سليم.
لا إفراط ولا منع تام.. أين التوازن؟
ورغم التحذير من الإفراط، أكدت كوشر أن المنع الكامل لا يعد حلا مثاليا، مشيرة إلى أن بعض التطبيقات التفاعلية قد تسهم في دعم التعلم إذا تم استخدامها باعتدال وتحت إشراف الوالدين.
تدعو الدراسة إلى تقنين زمن الشاشة خاصة في الأعوام الأولى من عمر الطفل، وتشجيع التفاعل المباشر مع البيئة، كالألعاب اليدوية، والقصص الورقية، والتواصل اللفظي مع الأهل.
طفلك لا يحتاج إلى شاشة بقدر ما يحتاج إلى حكاية
في النهاية، لا يبنى عقل الطفل بلقطة فيديو سريعة، بل من خلال الحكايات اليومية الصغيرة التي يعيشها مع الأشخاص والأشياء،فحين يمسك بقطعة خشب، أو يقلب ثمرة تفاح بيده، أو يسمع كلمة من والده وجها لوجه، يكون قد خطا خطوة حقيقية نحو بناء لغته وثقته بنفسه.