عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: العيد تحت الرقابة

في كل عام، يتكرر المشهد: ملايين المواطنين يملأون الشوارع والساحات ابتهاجًا بعيد الأضحى المبارك، ومظاهر الفرح تمتد من المساجد إلى الحدائق، ومن البيوت إلى المجازر. لكن خلف هذه الصورة البهيجة، تتحرك ماكينة دولة بكامل طاقتها لضمان ألا تتحول فرحة العيد إلى كابوس، وألا يُفسد أي خطر أمني أو صحي أو خدمي لحظة واحدة من لحظات الاحتفال.

الاستباق لا الارتجال
تبدأ الدولة في التحرك مبكرًا، فلا مجال للارتجال في مواسم حساسة مثل الأعياد. وزارات ومؤسسات تُستَنفر، وغرف عمليات تُفَعَّل، وأوامر تشغيل تصدر على مدار الساعة. وزارة الداخلية، بوصفها الجهة المسؤولة عن الأمن العام، تُعد خريطة انتشار أمني دقيقة تشمل تأمين المساجد الكبرى أثناء صلاة العيد، وتشديد الوجود الأمني في مناطق التجمعات، ومراقبة مداخل ومخارج المدن، ونشر الدوريات الراكبة والثابتة على مدار الساعة.

ولا يقتصر الأمن على العنصر البشري فقط، بل تتصدر التكنولوجيا الحديثة المشهد، حيث تُربط الكاميرات في الميادين الحيوية والمراكز التجارية بغرف تحكم مركزية تتابع كل حركة، وتتعامل فورًا مع أي طارئ أو اشتباه. كما يتم الدفع بقوات التدخل السريع، وخبراء المفرقعات، ووحدات الحماية المدنية في وضع استعداد فوري، بما في ذلك سيارات الإطفاء والإنقاذ النهري، تحسّبًا لأي حادث عرضي أو مفتعل.

الصحة في الصف الأول
في المقابل، تدرك وزارة الصحة أن موسم الأضحى ليس فقط موسم ذبح، بل موسم طوارئ من نوع خاص. لذلك تُرفع حالة الاستعداد في جميع المستشفيات، وتُعزّز وحدات الإسعاف في الشوارع والمناطق القريبة من الحدائق العامة ودور العبادة ومناطق الذبح. كما يتم توفير كميات إضافية من أكياس الدم، والأدوية الطارئة، وأطقم طبية مدربة للتعامل مع الحوادث الجماعية أو حالات التسمم الغذائي.

ويجري التنسيق بين الصحة والطب البيطري لضمان سلامة اللحوم، ومنع الذبح خارج المجازر، وتخصيص منافذ للإبلاغ الفوري عن أي لحوم غير صالحة للاستهلاك.

المجازر تحت المجهر
عيد الأضحى يعني ارتفاع معدلات الذبح، وهو ما قد يؤدي إلى فوضى بيئية وصحية إن لم يُدار جيدًا. ولذلك تُصدر وزارة التنمية المحلية تعليماتها الصارمة بفتح جميع المجازر بالمجان أمام المواطنين، وتكثيف الرقابة على الذبح خارجها.

فرق من الأطباء البيطريين والمفتشين تنتشر في الأسواق للكشف عن اللحوم المجهولة المصدر، فيما تراقب المحافظات عمليات النظافة العامة، وتخصص فرقًا إضافية لرفع مخلفات الذبح أولًا بأول، تفاديًا للروائح الكريهة وانتشار الحشرات أو التلوث.

التموين في مواجهة الجشع
ولأن العيد فرصة للبعض لاستغلال المواطن، فإن وزارة التموين تبدأ خطتها بمضاعفة الرقابة على الأسواق، وضبط الأسعار، والتأكد من جودة المعروض من اللحوم والسلع الأساسية. حملات مكثفة تجوب الأسواق يوميًا، تراقب تخزين اللحوم في الثلاجات، وتتأكد من مطابقتها للاشتراطات الصحية، وتتصدى لأي محاولات لرفع الأسعار أو الغش التجاري.

المجتمع في قلب الخطة
الدولة وحدها لا تستطيع تأمين العيد، إن لم يكن المواطن شريكًا حقيقيًا في الخطة. ولذلك تُكثف أجهزة الإعلام والتوجيه التوعوي حملاتها لنشر التعليمات، بدءًا من سلوكيات الأمان أثناء الذبح، مرورًا بتجنب الزحام، وحتى الإبلاغ عن أي مخالفة أو سلوك مريب. كما تعمل صفحات التواصل الاجتماعي الرسمية على مدار الساعة للرد على استفسارات المواطنين وتفنيد الشائعات.

غرفة لا تنام
كل هذه الجهود تتكامل في غرفة عمليات مركزية بوزارة الداخلية، تضم مندوبين من كل الوزارات والهيئات المعنية، وتعمل على مدار 24 ساعة. الغرفة مزوّدة بأنظمة مراقبة واتصال مباشر بكل المحافظات، وتتخذ قرارات فورية بشأن أي تطور.

الغرف الفرعية في المحافظات مرتبطة بها بشكل مباشر، وتعمل تحت مظلة خطة استجابة سريعة مرنة، تسمح بتغيير الانتشار أو التدخل في أي نقطة ضعف يتم رصدها، مع توفير حلول ميدانية دون انتظار تعليمات مركزية.

عيدك مسؤوليتنا… وأمانك أولوية
كل ما سبق ليس مجرد إجراءات شكلية، بل تأكيد على أن أمن المواطن وسلامته هما جوهر عمل الدولة، لا سيما في الأوقات التي يُفترض أن تكون للفرحة والسكينة. عيد الأضحى هذا العام سيكون آمنًا ليس بالمصادفة، بل بإرادة دولة لا تنام، وخطة لا تترك شيئًا للصدفة، ومواطن يعرف أن فرحته مسؤولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى