عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: قانون جرائم الإنترنت يحارب الحسابات الوهمية

في زمنٍ أصبحت فيه الحياة الرقمية جزءًا لا يتجزأ من واقعنا اليومي، لم يعد العبث بالهُوية الإلكترونية أمرًا يمكن التساهل معه أو اعتباره مجرد تصرف عابر فقد أدرك المشرع المصري مبكرًا خطورة الانتهاكات التي قد تتم عبر شبكة الإنترنت، خصوصًا تلك التي تمس كيان الإنسان وسمعته وحقوقه الشخصية، فجاء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات ليضع حدًا لهذه الممارسات ويضعها في إطار جنائي صارم، يحمي الأفراد من التزييف والانتحال والتشهير.

 

ومن أبرز صور هذا الانتهاك، قيام البعض بإنشاء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني، ونسبتها زيفًا لأشخاص آخرين، بقصد الإساءة أو التضليل أو التلاعب بالرأي العام هذه الجريمة التي قد يراها البعض “مزحة ثقيلة” أو وسيلة لتصفية خلافات، لم تعد محل تهاون، بل باتت جريمة مكتملة الأركان تستوجب العقاب وفقًا للقانون.

 

وقد نصّت المادة 24 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 بشكل واضح وصريح على تجريم هذه الأفعال، حيث جاء فيها:

“يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اصطنع بريدًا إلكترونيًا أو موقعًا أو حسابًا خاصًا ونسبه زورًا إلى شخص طبيعي أو اعتباري.”

ويُفهم من هذا النص أن الجريمة تتحقق بمجرد إنشاء الحساب الزائف ونسبه لشخص آخر دون إذنه، دون الحاجة لإثبات وقوع ضرر فعلي، وهو ما يعكس حرص المشرع على حماية الهُوية الرقمية من أي عبث أو استغلال.

 

ولم يقف القانون عند هذا الحد، بل شدد العقوبة إذا ما اقترنت الجريمة بغرض خبيث، حيث أضاف:

“فإذا استخدم الجاني هذا الحساب المصطنع في الإساءة إلى من نُسب إليه الحساب، أو للإضرار به، تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.”

 

وبالتالي، فإن المشرع فرّق بين من يرتكب الجريمة كفعل مجرد، وبين من يستخدمها كأداة للإساءة أو التشهير، فشدد العقوبة في الحالة الثانية بما يتناسب مع خطورة الفعل وتأثيره في الواقع.

 

ما يجب أن يدركه الجميع أن المساس بهُوية الآخرين الإلكترونية لا يختلف قانونًا عن التزوير في محررات رسمية، فالأثر واحد، وهو خداع المجتمع ونسبة قول أو فعل إلى شخص بريء، وهو ما يؤدي إلى اهتزاز الثقة، وتلويث السمعة، وربما الإضرار بالوضع الاجتماعي أو الوظيفي للضحية. وقد يتفاقم الضرر ليشمل تهديد السلم المجتمعي، عندما تُستخدم هذه الحسابات المصطنعة لترويج الشائعات أو زرع الفتنة أو الإساءة للرموز والكيانات.

 

المؤسف أن البعض ما زال يتعامل مع هذه الجريمة على أنها “تحايل إلكتروني” لا يرقى لمستوى المساءلة القانونية، في حين أن الواقع التشريعي يوضح أن الدولة تأخذ هذا النوع من الجرائم على محمل الجد، وتعتبرها خرقًا مباشرًا لأمن المعلومات وحقوق الأفراد.

 

إنّ القانون وحده لا يكفي لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية، فثمة دور لا يقل أهمية يقع على عاتق الأسرة، والمؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام، في توعية المواطنين –خاصة الشباب– بخطورة التلاعب بالهُويات، وضرورة احترام خصوصية الآخرين، وعدم الانسياق خلف الرغبة في الانتقام أو التسلية المَرَضية التي قد تجر صاحبها إلى السجن ودفع غرامات باهظة، وربما تضعه في مواجهة تهم أخرى أشد خطورة مثل التزوير أو التشهير أو الإضرار بالأمن العام.

 

وفي الختام، يمكن القول إن من يظن أن خلف شاشة الهاتف أو الحاسوب مساحة آمنة لارتكاب ما يشاء من أفعال دون عقاب، فهو واهم. فالدولة باتت تمتلك أدوات تشريعية وفنية قادرة على تتبع أي جريمة إلكترونية، والوصول إلى مرتكبها، ومحاسبته بما يتناسب مع حجم فعله. والرسالة أصبحت واضحة: العبث بهُويات الناس جريمة، والدفاع عن الحق في الخصوصية لم يعد خيارًا، بل التزام يحميه القانون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى