
في مشهد برلماني وصفه البعض بالتاريخي، أقر مجلس النواب 31 مادة من قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وسط حالة من الجدل، التصفيق، والاعتراضات. هذا القانون ليس مجرد نصوص تشريعية، بل هو انعكاس لحالة الصراع الأزلي بين حماية الحق العام وضمان العدالة الفردية.
الوجه الأول: حماية الموظف العام
من اللحظة الأولى، لفت القانون الأنظار بنصوصه التي تعزز حماية الموظف العام. لم يعد تحريك الدعوى الجنائية ضد الموظفين أمرًا متاحًا لأي جهة ترغب في ممارسة الضغوط أو التشهير. الآن، أصبحت هناك ضوابط صارمة، تضمن أن يكون الحساب مرتبطًا فقط بالحقائق، بعيدًا عن أي مصالح شخصية.
لكن، السؤال هنا: هل هذه الحماية ضرورة لضمان استقرار العمل الحكومي أم ستتحول إلى مظلة لحماية الفاسدين؟ الإجابة ستظل مرهونة بالطريقة التي سيُطبق بها القانون، وليس بما كُتب على الورق.
الوجه الآخر: التصالح مع المعتدين على المال العام
أما النقطة الأكثر إثارة للجدل، فهي إجازة التصالح في جرائم العدوان على المال العام. بالنسبة للمؤيدين، فإن التصالح فرصة لاسترداد الأموال المنهوبة سريعًا دون إغراق المحاكم بقضايا طويلة ومعقدة. لكن بالنسبة للمعارضين، هو باب خلفي يمكن أن يُستغل لتبرئة الجناة بمقابل مادي، تاركًا العدالة الحقيقية على الهامش.
حزب النور في مواجهة الأغلبية
خلال جلسة النقاش، حاول حزب النور إدخال تعديلات على بعض بنود القانون، لكن الأغلبية رفضت مقترحاته. المستشار حنفي جبالي، رئيس المجلس، كان واضحًا وصريحًا عندما قال: “أرجو عدم المزايدة”. كلمات تحمل في طياتها رسالة حاسمة، مفادها أن وقت الجدل انتهى، وحان وقت اتخاذ القرار.
قانون جديد.. مرحلة جديدة
القانون الجديد، بتعقيداته وإيجابياته، يفتح صفحة جديدة في منظومة العدالة الجنائية. لكنه يضع الجميع أمام اختبار حقيقي: هل نحن مستعدون لتطبيق العدالة بحزم وشفافية؟ أم أن بعض الأبواب المواربة ستظل مفتوحة لتُخفي خلفها الحقيقة؟
ختامًا: الكرة في ملعبنا جميعًا
هذا القانون ليس نهاية الطريق، بل هو بداية مرحلة جديدة مليئة بالتحديات. البرلمان قد وضع الأساس، لكن التنفيذ على الأرض هو ما سيحدد إذا كان هذا القانون طوق نجاة للعدالة أم سلاحًا ذو حدين سيُستخدم بحذر أو يُساء استغلاله.