
لم يعد غريبًا أن ترى طفلًا في السادسة من عمره، يغوص في عالم هاتفه الذكي، وتحديدًا في منصة “روبلوكس” (Roblox) التي تلمع كواحدة من أشهر وجهات الألعاب عالميًا، هذه المنصة المجانية التي تمنح ملايين الأطفال والمراهقين فرصة فريدة لإنشاء ألعابهم الخاصة وخوض مغامرات لا حصر لها، تخفي خلفها عالمًا رقميًا محفوفًا بالمخاطر التي لا تليق بأعمارهم.
عاصفة تجتاح عالم روبلوكس
في عام 2025، واجهت «روبلوكس» عاصفة انتقادات حادة بعد تقارير وصفتها بـ «الجحيم الجنسي» متهمة المنصة باحتضان محتوى إباحي، وتسهيل استدراج الأطفال، والتحريض على العنف، فخاصية الدردشة التي صُممت للتواصل بين اللاعبين قد تحولت إلى أداة تدق ناقوس الخطر، حيث يجد الطفل نفسه أمام أبواب مفتوحة تسمح للغرباء بمعرفة أدق تفاصيله الخاصة أو تعريضه للتحرش والتنمر الإلكتروني.
وتوالت القضايا، من دعاوى رفعتها فتيات قاصرات اتهمن المنصة بتسهيل استغلالهن، إلى اتهامات بالتورط في اختطاف أطفال، لترسخ صورتها كبيئة خطيرة تهدد براءة الصغار، بحسب تقارير لصحيفة «الجارديان» البريطانية.
الحظر في قطر.. انقسام في الآراء
وسط غياب ما يصفه البعض بالرقابة الأسرية والتوعية الرقمية الكافية، أدى تصاعد المخاوف إلى اتخاذ إجراءات حاسمة. مؤخرًا، انضمت دولة قطر إلى قائمة الدول التي حظرت اللعبة رسميًا، لتلحق بكل من الصين، تركيا، وسلطنة عمان في خطوة تهدف لحماية النشء.
قرار الحظر خلّف تفاعلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض:
فريق مؤيد للحظر: رحب الإعلامي فهد العمادي بالقرار، معتبرًا إياه “موفقًا تمامًا لما لهذه اللعبة من أضرار بالغة على سلوكيات المستخدمين وأخلاقهم وتعريضهم لخطر الاستدراج”. وطالب المدون محمد بتوسيع الرقابة لتشمل منصات أخرى مثل «تيك توك».
فريق معارض يطالب بحلول بديلة: انتقد المتخصص الإليكتروني سعد مبارك القرار، مقترحًا “وضع تحقق من جواز السفر أو البطاقة الشخصية عند التسجيل”، خاصة وأن لاعبين مثله استثمروا مبالغ كبيرة في اللعبة. بينما رأت المصممة غادة أن “الأسرة هي العامل المؤثر وليس اللعبة”، وأن الحل يكمن في الإرشاد والمتابعة الأسرية.
الأزمة تتخطى الحدود.. دعاوى قضائية في أمريكا
الأزمة لم تقتصر على الدول العربية والآسيوية، بل امتدت لتصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية على شكل دعاوى قضائية ضخمة ففي تطور لافت يوم أمس، 15 أغسطس 2025، رفع المدعي العام في ولاية لويزيانا الأمريكية دعوى قضائية ضد “روبلوكس”، متهمًا المنصة بالفشل في حماية الأطفال وجعلها “أرضًا خصبة للمفترسين لاصطياد الأطفال والاعتداء عليهم”.
واتهمت الدعوى الشركة بإعطاء الأولوية للأرباح على حساب سلامة الأطفال، وسمحت بوجود “تجارب” ذات محتوى جنسي فاضح، مثل لعبة بعنوان “الهروب إلى جزيرة إبستين”، والتي كانت متاحة للأطفال.. وتأتي هذه القضية بعد حوادث مماثلة في ولايات أخرى مثل أيوا وميشيغان، حيث تم استدراج أطفال عبر المنصة وتعرضهم للاختطاف والاعتداء.
دفاع الشركة الرسمي.. بين النفي وتشديد الإجراءات
في مواجهة هذه الاتهامات المتصاعدة، أصدرت شركة “روبلوكس” تصريحات رسمية، شددت فيها على التزامها بسلامة المستخدمين ويتلخص موقف الشركة في النقاط التالية:
نفي قاطع: صرح متحدث باسم الشركة بأن “الادعاء بأن روبلوكس تعرض مستخدميها للخطر عمدًا هو ادعاء غير صحيح بشكل قاطع”.
سياسة عدم التسامح المطلق: تؤكد الشركة أن لديها “سياسة عدم تسامح مطلق” تجاه استغلال الأطفال، وأنها تبلغ السلطات المختصة (مثل المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين في أمريكا) عن أي محتوى مشبوه.
إجراءات رقابية مشددة: تدافع الشركة بأنها تستخدم أنظمة أمان صارمة، تشمل مشرفين بشر وأنظمة ذكاء اصطناعي لمراقبة المحتوى والدردشات على مدار الساعة، بالإضافة إلى تحديث فلاتر الدردشة باستمرار لمنع مشاركة المعلومات الشخصية أو المحتوى غير اللائق.
أدوات الرقابة الأبوية: تشير الشركة إلى أنها توفر أدوات رقابة أبوية قوية تتيح للآباء التحكم في تجربة أطفالهم، بما في ذلك تقييد الدردشة والوصول إلى محتوى محدد.
ورغم دفاع الشركة، يرى المنتقدون أن هذه الإجراءات لا تزال غير كافية، وأنها تأتي كرد فعل متأخر بدلًا من كونها تدابير وقائية حقيقية، خاصة مع غياب آلية تحقق صارمة من أعمار المستخدمين عند التسجيل.