العالمعاجل

«معهد ستوكهولم» يكشف مدى هيمنة الأسلحة الأمريكية على سوق الدفاع الأوروبي

كتب- محمد فهمي

منذ عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض مرة أخرى رئيسًا لـ الولايات المتحدة، تعززت المخاوف الأوروبية بشأن الاعتماد المفرط على واشنطن في المجال الدفاعي، لا سيما في ظل تغير أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.

 

ومع تصاعد التهديدات الأمنية في القارة العجوز، تزايدت واردات الأسلحة الأوروبية بشكل غير مسبوق، وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام «SIPRI»، لكن اللافت أن هذه الزيادة لم تصاحبها بالضرورة تنويع في مصادر التسلح، بل ارتفعت حصة الواردات القادمة من الولايات المتحدة بشكل واضح.

 

وفي هذا السياق، نسلط الضوء في السطور التالية على حوار كاتارينا ديوكيتش، الباحثة في برنامج نقل الأسلحة بمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، حيث تقدم رؤيتها حول التطورات الأخيرة في واردات الأسلحة الأوروبية، بالإضافة إلى تقييم قدرة دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» على تحقيق مزيد من الاستقلالية في مجال الدفاع.

 

◄سبب تصاعد الطلب على الأسلحة الأوروبية

 

شهدت واردات الأسلحة في الدول الأعضاء في الناتو قفزة كبيرة، خاصة بعد الهجمات الروسية لشبه جزيرة القرم عام 2014، لكن الزيادة الأبرز جاءت عقب الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، ورغم أن هذا التصاعد يعكس تنامي المخاوف الأمنية المرتبطة بروسيا، إلا أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا محوريًا، أبرزها الشكوك المتزايدة بشأن التزام واشنطن بحماية حلفائها.

 

فخلال فترة رئاسته، أثار ترامب العديد من التساؤلات حول الضمانات الأمنية الأمريكية، حيث طالب دول الناتو برفع إنفاقها الدفاعي، وألمح إلى إمكانية تقليص الدعم الأمريكي لأوروبا، بل ووضع إمكانية فرض سيطرة أمريكية على جزيرة جرينلاند – الإقليم التابع للدنمارك – على الطاولة.

 

وهذه المواقف دفعت بعض الدول الأوروبية إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها الدفاعية، بما في ذلك البحث عن خيارات تقلل من اعتمادها على الواردات العسكرية من الخارج.

 

س: ما الذي تكشفه أحدث بيانات معهد ستوكهولم بشأن واردات الأسلحة الأوروبية، وخاصة من الولايات المتحدة؟

 

كاتارينا ديوكيتش: البيانات الحديثة تظهر ارتفاعًا ملحوظًا في واردات الأسلحة للدول الأوروبية الأعضاء في الناتو خلال الفترة 2020-2024 مقارنة بالفترة 2015-2019، على سبيل المثال، زادت الواردات العسكرية للمجر بنسبة 1454%، وبلجيكا بنسبة 1338%، وبولندا بنسبة 508%.

 

وتكشف الأرقام أن الولايات المتحدة كانت المورد الأساسي لحلفاء الناتو الأوروبيين، حيث استحوذت على 64% من إجمالي الواردات، مقارنة بـ 52% خلال الفترة الخمسية السابقة، إلى جانب واشنطن، برزت فرنسا وألمانيا كموردين أوروبيين رئيسيين، لكن بحصص أقل بكثير، بلغت 6.5% و4.7% على التوالي.

 

ومن اللافت أيضًا أن كوريا الجنوبية وإسرائيل أصبحتا من بين الموردين الرئيسيين للأسلحة إلى أوروبا.

 

 

س: ما حجم الاعتماد الأوروبي على الأسلحة الأمريكية، وما أبرز أنواع الأسلحة المستوردة؟

 

كاتارينا ديوكيتش: بلغت حصة الولايات المتحدة من واردات الأسلحة الأوروبية 64% خلال الفترة 2020-2024، وهي النسبة الأعلى منذ عقدين، لكن طبيعة هذا الاعتماد تختلف بحسب نوع السلاح.

 

فبينما تعتمد الدول الأوروبية بشكل شبه كامل على الإنتاج المحلي في صناعة السفن والغواصات، يظل الاعتماد على الموردين الأمريكيين محدودًا فيما يخص أسلحة القوات البرية، مثل الدبابات والمركبات المدرعة وأنظمة المدفعية، ومع ذلك، فإن دول أوروبا الوسطى، مثل بولندا ورومانيا وكرواتيا، تفضل في بعض الحالات شراء معدات عسكرية أمريكية لتعزيز علاقاتها الأمنية مع واشنطن.

 

أما المجال الذي يبرز فيه الاعتماد الأوروبي الكبير على الولايات المتحدة، فهو الطائرات المقاتلة، فخلال السنوات الخمس الماضية، استلمت دول الناتو أكثر من 150 طائرة مقاتلة و60 مروحية قتالية من الولايات المتحدة، مع وجود طلبات إضافية لشراء 472 مقاتلة و150 مروحية أخرى بحلول نهاية عام 2024.

 

ورغم ان هذا الاتجاه يعكس استمرار الثقة الأوروبية في التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، لكنه يثير في الوقت نفسه تساؤلات حول مدى قدرة القارة العجوز على تحقيق استقلالية دفاعية حقيقية في المستقبل.

 

س: لماذا تفضل الدول الأوروبية شراء عدد كبير من الطائرات المقاتلة والأسلحة من الولايات المتحدة رغم توفر أنظمة مماثلة في أوروبا؟

 

كاتارينا : تمتلك الدول الأوروبية القدرة على إنتاج طائرات مقاتلة وما زالت تفعل ذلك، لكن هناك 3 أسباب رئيسية دفعتها إلى شراء الأسلحة الأمريكية خلال العقود الأخيرة.

 

أولًا، هناك دافع سياسي، حيث تسعى الدول الأوروبية إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، خصوصًا في المجال الأمني، وهذا ينطبق بشكل خاص على دول أوروبا الوسطى، لكنه لا يقتصر عليها.

 

ثانيًا، يتعلق الأمر بالمتطلبات العسكرية، لا سيما بالنسبة للقوات الجوية، ففي السنوات الأخيرة، أصبحت طائرات الجيل الخامس الأمريكية خيارًا مغريًا، حتى للدول التي كان بإمكانها تلبية احتياجاتها بطائرات أوروبية من الجيل الرابع. ومن المهم ملاحظة أن تصنيفات الأجيال هذه ليست رسمية، ولا يوجد اتفاق عالمي على معايير كل جيل.

 

ثالثًا، هناك عوامل اقتصادية وعسكرية، حيث يؤدي الإنتاج الأمريكي الواسع إلى خفض التكلفة وتسريع التسليم مقارنة بالصناعات الأوروبية، كما أن الإنتاج المستمر للأسلحة في الولايات المتحدة يضمن توفر قطع الغيار وخدمات الصيانة والتحديث على مدى عقود، وهو أمر ضروري للطائرات والمروحيات القتالية التي تحتاج إلى دعم طويل الأمد.

 

علاوة على ذلك، فإن العلاقات الدفاعية بين أوروبا والولايات المتحدة معقدة ولا تقتصر على مجرد عمليات بيع وشراء، إذ تتشابك الصناعات العسكرية بين الطرفين من خلال سلاسل التوريد والمشاريع المشتركة والاتفاقيات المرخصة.

 

وعلى سبيل المثال، تساهم بعض الدول الأوروبية في تصنيع مكونات لطائرات “إف-35” الأمريكية، ورغم ذلك تُحسب هذه الطائرات ضمن الواردات من الولايات المتحدة وفقًا لمنهجية معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام «SIPRI».

 

 

س: ماذا عن الموردين غير الأوروبيين؟ هل زاد نفوذهم في السوق الأوروبية؟

كاتارينا ديوكيتش: تعد كوريا الجنوبية وإسرائيل ثاني أكبر موردين غير أوروبيين لدول الناتو الأوروبية بين عامي 2020 و2024، ورغم أن حصتهما لم ترتفع كثيرًا، إلا أن حجم الصفقات ازداد بشكل كبير. فقد ارتفعت واردات الأسلحة الأوروبية من كوريا الجنوبية بنسبة 130% مقارنة بالفترة 2015-2019، بينما تضاعفت الواردات من إسرائيل ثلاث مرات.

 

وتركز الصادرات الإسرائيلية على المدفعية والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات المسيرة والرادارات، وهو ما يعكس تزايد طلب أوروبا على هذه الفئات من الأسلحة، أما كوريا الجنوبية، فقد عززت وجودها منذ 2016 عبر تقديم معدات بأسعار تنافسية، وسرعة في التسليم، وخيارات تتيح إشراك الصناعات المحلية في إنتاج الأسلحة المشتراة.

 

لكن بشكل عام، تبقى العوامل التجارية هي الدافع الأساسي وراء شراء الأسلحة من هذه الدول، أكثر من كونها اعتبارات سياسية.

 

س: هل يمكن للدول الأوروبية تلبية احتياجات أوكرانيا العسكرية إذا توقفت الولايات المتحدة عن تقديم الدعم؟

 

كاتارينا ديوكيتش: منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، شكلت الأسلحة الأمريكية 45% من واردات أوكرانيا العسكرية، بينما قدمت دول الناتو الأوروبية 47%، وبإمكان الدول الأوروبية زيادة إمداداتها من الأسلحة التقليدية مثل الطائرات المقاتلة والصواريخ بعيدة المدى وأنظمة الدفاع الجوي إذا قررت إعطاء الأولوية لذلك على حساب مشترياتها المحلية وصادراتها لدول أخرى.

 

لكن غياب المساعدات الأمريكية سيؤدي إلى فجوات يصعب على أوروبا سدها، لا سيما في توفير الذخيرة، والاستخبارات العسكرية، والدفاعات الجوية والصاروخية، وهي مجالات تعتمد فيها أوروبا بشكل كبير على الولايات المتحدة.

 

كما أن هذه الفجوات ستجعل من الصعب على أوروبا تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بعد أي اتفاق سلام مستقبلي على صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، دون مشاركة أمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى