
صدر كتاب جديد للخبير التربوي والتعليمي المصري في السعودية أ.د. أسامة محمد إبراهيم، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة سوهاج، تحت عنوان “مدخل إلى ما وراء العلم” يُقدّم من خلال الكتاب ترجمة رصينة تُتيح للقارئ العربي نافذة نادرة على واحد من أكثر الحقول العلمية إثارة للجدل في السنوات الأخيرة: ما وراء العلم(Metascience) ذلك المجال الذي يتجاوز الاطمئنان بنتائج البحث، إلى فحص الأسس الثقافية والمنهجية والمؤسسية التي تُنتجها.
وقد افتتح كتابه بهذه الاسئلة هل يمكن للعلم أن يُخطئ؟ وهل نخضعه للمساءلة، أم نتعامل معه كحقيقة لا تُراجَع؟ ويعد كتاب “مدخل إلى ما وراء العلم” طريقًا جديدًا للتفكير في مصداقية المعرفة التي تُنتج داخل المختبرات والجامعات ، وفي زمنٍ تتسارع فيه وتيرة النشر الأكاديمي، وتتعاظم فيه الضغوط المؤسسية والمهنية على الباحثين، لم تعد الأسئلة المتعلّقة بجودة البحث ترفًا نظريًا. فقد بات من الضروري تفحّص العملية العلمية ذاتها: كيف تُصمَّم الدراسات؟ كيف تُجمع البيانات وتُحلل؟ ما المعايير التي تُحدّد ما يُنشر وما يُهمّش؟ وما الذي يحدث حين تصبح الكمّية في النشر معيارًا للجودة، أو حين يتسلّل التحيّز تحت غطاء من الصرامة المنهجية؟
يقدّم هذا الكتاب قراءة نقدية جريئة لكل تلك الإشكالات، دون ادّعاء الهدم أو التهويل. بل يسير بفكر تحليلي رصين، يعرض فيه أبرز أزمات النظام البحثي، وعلى رأسها أزمة “قابلية إعادة الإنتاج”، وتضخّم المجلات المفترسة، وتآكل مصداقية مراجعة الأقران، فضلًا عن تحديات الذكاء الاصطناعي حين يصبح طرفًا في إنتاج المعرفة.
كما يسلّط الضوء على العلاقات الخفية بين التمويل والاتجاهات البحثية، وعلى الأثر العميق للثقافة المؤسسية في تشكيل سلوك الباحثين، بدءًا من اختيار الموضوع، وانتهاءً بلغة التقرير والنتائج.
وفي فصوله الأخيرة، لا يكتفي الكتاب برصد الأعراض، بل يقترح حلولًا واقعية، مدروسة، وقابلة للتنفيذ. من إصلاح آليات النشر، إلى تفعيل دور لجان الأخلاقيات، ومن مقاومة النزعات الكمية، إلى بناء بيئة تشجّع النزاهة والتأمل والتعاون.
ما وراء العلم ليس كتابًا نخبويًا منغلقًا على فلسفة العلم، بل هو رسالة مفتوحة لكل من يعنيه مصير المعرفة في زمن التشظّي: الباحث، والمحرر، وصانع القرار، وكل من يدرك أن مستقبل العلم مرهون بقدرته على مراجعة نفسه، لا التمترس خلف هالته.