
يُعد قانون الإيجار القديم من أكثر القوانين المصرية إثارة للجدل منذ عقود، نظرًا لارتباطه المباشر بملايين المواطنين من الملاك والمستأجرين، ولما يحمله من أبعاد اجتماعية واقتصادية وقانونية معقدة ومتراكمة منذ منتصف القرن الماضي. ومع طرح الحكومة المصرية مؤخرًا مقترحًا جديدًا لتعديل القانون، تصاعدت وتيرة النقاشات داخل البرلمان وخارجه، وتعددت الرؤى حول الشكل النهائي المتوقع للتعديلات المرتقبة، لا سيما في ظل محاولات تحقيق توازن دقيق بين حقوق الملاك المتضررين من تجميد القيمة الإيجارية لسنوات طويلة، وحقوق المستأجرين الذين استقروا في تلك الوحدات على مدى أجيال متعاقبة.
وفقًا لمصادر برلمانية مطلعة وتصريحات رسمية، فإن أبرز التعديلات المتوقعة تتضمن خطة تدريجية لتحرير العلاقة الإيجارية على مدار خمس سنوات، تبدأ برفع القيمة الإيجارية بنسبة مئوية سنوية تتراوح بين 15% و30% من القيمة السوقية العادلة، على أن تُحدد هذه القيمة من خلال لجان تقييم محايدة تضم ممثلين من جهاز التعبئة العامة والإحصاء، ومصلحة الضرائب العقارية، وخبراء من نقابة المهندسين. ويُتوقع أن يُلزم القانون الجديد المستأجرين بإبرام عقود قانونية جديدة مع الملاك عقب انتهاء المدة الانتقالية، مع إعطاء أولوية للسكان الحاليين في تجديد التعاقد بشروط متوازنة.
من ناحية أخرى، تتضمن المقترحات إنشاء صندوق دعم للمستأجرين غير القادرين، يُمول من جزء من حصيلة الضرائب العقارية والغرامات، على أن تتولى وزارة التضامن الاجتماعي إدارته تحت إشراف لجنة برلمانية مستقلة، لضمان وصول الدعم لمستحقيه، مع إجراء بحث اجتماعي دقيق يحدد معايير الاستحقاق. وتهدف هذه الآلية إلى منع أي تشريد محتمل للسكان محدودي الدخل وضمان عدم تحول الإصلاح التشريعي إلى أزمة إنسانية.
كما يُنتظر أن تشمل التعديلات استثناءات واضحة لبعض الحالات الخاصة، مثل الوحدات المؤجرة لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن الذين لا يمتلكون أي بدائل سكنية، حيث تُمدد لهم فترة الانتقال لتصل إلى عشر سنوات وفقًا لتقارير طبية واجتماعية، وهو ما يعكس البُعد الإنساني في مسار الإصلاح التشريعي. ويشمل المشروع كذلك آلية لحصر الوحدات المغلقة وغير المستخدمة منذ سنوات طويلة، واتخاذ إجراءات قانونية لإعادتها إلى السوق العقارية، بما يسهم في تقليل أزمة السكن وتحقيق عدالة التوزيع في الاستفادة من الثروة العقارية المجمدة.
في السياق ذاته، طالب عدد من النواب بضرورة إدراج مواد صريحة تجرّم تأجير الوحدات الخاضعة للإيجار القديم من الباطن، مع تغليظ العقوبات على المخالفين، مؤكدين أن الاستغلال غير القانوني لهذه الوحدات يُعد من أبرز أسباب تشوهات السوق العقارية، ويخالف مبادئ العدالة الاقتصادية. كما شددوا على أهمية تفعيل دور لجان فض المنازعات التابعة لوزارة العدل لحسم النزاعات المحتملة بين الملاك والمستأجرين خلال الفترة الانتقالية بسرعة وفعالية.
يُذكر أن اللجنة التشريعية بمجلس النواب تواصل مناقشة المشروع بالتنسيق مع لجنة الإسكان، وسط تأكيدات حكومية بأن التعديل المرتقب لن يتم تمريره إلا بعد حوار مجتمعي شامل يضم أطراف العلاقة كافة، إضافة إلى الاستعانة برؤية خبراء العمران والاجتماع والقانون لضمان توافق القانون الجديد مع معايير العدالة الدستورية والواقع العملي. وبينما ينتظر الشارع المصري صدور القانون النهائي، تظل الأنظار مشدودة إلى قاعة البرلمان، حيث يُرسم مستقبل العلاقة بين المالك والمستأجر، في واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وأهمية في التاريخ التشريعي