
في زوايا مظلمة من شوارعنا، وبين أزقة ضيقة، يتسلل خطر صامت ولكنه فتاك، ينهش في جسد مجتمعنا ويستهدف أغلى ما نملك: شبابنا وعقولهم. إنه “الشابو”، هذا السم الأبيض الذي يحمل في طياته وعودًا زائفة بالنشوة والهروب، ولكنه في الحقيقة لا يجلب سوى الدمار والضياع.
لم يعد الحديث عن المخدرات مجرد قضية هامشية أو مشكلة تخص فئة معينة. “الشابو” يمثل تصعيدًا خطيرًا في حرب المخدرات، فهو ليس مجرد “كيف” أو “مُزاج”، بل هو مشروع إبادة حقيقية تستهدف عقول شبابنا، عماد المستقبل وأساس نهضة أي أمة. هذا المخدر اللعين قادر على تدمير العقل قبل الجسد، يمحو الذاكرة، ويحول الإنسان إلى كائن عدواني أو مجرد جسد بلا روح.
إن سهولة الحصول على “الشابو” وتكلفته المنخفضة نسبيًا تجعله في متناول الكثيرين، ليتحول بسرعة إلى إدمان قهري لا يرحم. المدمن يجد نفسه في دوامة مظلمة، يبيع كل ما يملك من أجل جرعة أخرى، وعندما يفيق من تأثير المخدر، يجد نفسه خاسرًا لكل شيء: صحته، ماله، أسرته، وحتى إنسانيته.
المأساة تتفاقم عندما نرى أن العلاج من إدمان “الشابو” رحلة طويلة وشاقة، وكثيرًا ما ينتهي بانتكاسة مؤلمة. هذا يؤكد أن المواجهة لا يجب أن تكون طبية فقط، بل يجب أن تتجاوز ذلك لتصبح معركة أمن قومي شاملة. التهاون مع انتشار هذا المخدر هو بمثابة السماح بتدمير مصر من الداخل، وتقويض أي جهود للتنمية والتقدم.
إن الدولة، إذا كانت حقًا تسعى لتحقيق التنمية المستدامة، يجب أن تضع ملف “الشابو” على رأس أولوياتها. يجب أن يتم منعه وتجريمه بكل حزم وقوة، تمامًا كما تم التعامل مع أنواع أخرى من المخدرات في الماضي. نحن بحاجة إلى خطة استراتيجية متكاملة تشمل جوانب أمنية تضرب أوكار الاتجار وتلاحق المروجين، وجوانب تشريعية تُغلظ العقوبات على المتورطين، وجوانب إعلامية توعوية تُحذر الشباب من مخاطره وتكشف زيفه، وجوانب تربوية تُحصن الأجيال القادمة بالوعي والقيم.
الضربات الاستباقية ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة ملحة. يجب أن تكون حقيقية ومستمرة، تستهدف الرؤوس الكبيرة وتجفف منابع هذا السم. تطهير شوارعنا من هذا الوباء يجب أن يسبق أي مشاريع أخرى، لأن بناء المستقبل يبدأ بحماية عقول أبنائنا.
“الشابو” اليوم هو أخطر من أي سلاح تقليدي، وأشد فتكًا من أي تطرف فكري، وأكثر ضررًا من أي عدو خارجي. لأن العدو الآن كامن في الداخل، متخفيًا في أكياس صغيرة، ينتقل في الخفاء، ويُباع على الأرصفة، ليخرب بيتًا بيتًا ويدمر أسرة أسرة.
إن الساكت عن خطر “الشابو” هو بمثابة شيطان أخرس يشاهد وطنه وهو يُستنزف. المسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، لكي نرفع أصواتنا وندق ناقوس الخطر، ولكي نعلنها حربًا لا هوادة فيها على هذا الخطر الذي يهدد مستقبل أجيالنا ومستقبل وطننا. يجب أن نتحرك قبل فوات الأوان، قبل أن يستفحل هذا الوباء ويحيل مجتمعنا الخراب ودمار الشباب
الذي لم يدرك معني المسئولية والحفاظ على نفسة من هذا الوباء الذي إنتشر بسرعة رهيب بين الشباب حفظ الله مصر وأهلها من كل مكروة وسوء