
لم تعد المراهنات الإلكترونية مجرّد ألعاب افتراضية تخدع المراهقين بواجهة براقة، بل تحولت إلى أداة قتل حقيقية، تزرع العنف في العقول وتدفع ضعاف النفوس إلى ارتكاب أفظع الجرائم، كما حدث في واحدة من أبشع وقائع القتل التي شهدها الشارع المصري مؤخرًا.
طالب يقتل ويحرق من أجل “رهان”
في مشهد لا يُصدّق، أقدم طالب على طعن سيدة طعنات متتالية حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، ثم أشعل النار في جثتها وأحرقها بالكامل، فقط ليحصل على بعض المال الذي يساعده على تسديد ديونه لموقع مراهنات إلكترونية كان قد غرق فيه حتى أذنيه!
القاتل لم يكن مجرمًا محترفًا، بل شابًا طبيعيًا سقط في مستنقع المراهنات دون رقابة أو وعي، ليصبح عبدًا لشاشة هاتفه، يلهث وراء الربح السريع، حتى فقد إنسانيته وانحدر إلى قاع الجريمة.
الضحايا بالمئات.. والكارثة تتوسع!
قضية اليوم مجرد واحدة من سيل متزايد من القصص المأساوية. فهناك من باع ذهب والدته، ومن استدان من أصدقائه وخان ثقتهم، ومن حاول الانتحار بعد خسارة أمواله.. كلها قصص بدأت من “ضغطة زر” على تطبيق مراهنات، وانتهت بدموع وخراب.
هذه المواقع لا تعرف الرحمة.. تتغذى على طمع البشر، وتُسقِط يوميًا العشرات في مصيدة الديون، والاحتيال، والانهيار النفسي. الأخطر أن أغلب هذه المنصات تُدار من الخارج، وتعمل تحت مظلة شبكات إجرامية منظمة، هدفها الوحيد هو ضرب استقرار المجتمعات من الداخل.
من يحمي شبابنا؟
لا بد من أن نطرح هذا السؤال بصوت عالٍ: من يحمي أبناءنا من هذا الخطر؟ أين الرقابة الإلكترونية؟ أين الدور التوعوي في المدارس والإعلام؟ لماذا لا يتم حجب هذه التطبيقات فورًا ومعاقبة من يروج لها أو يستخدمها؟
الوضع لم يعد يحتمل التجاهل أو التباطؤ. فالخطر بات في كل بيت، يدخل مع الهاتف المحمول، ويخدع الضحية باسم “اللعبة”، لكنه في الحقيقة مشروع انتحار أو جريمة مؤجلة.
نداء للدولة والمجتمع
نطالب بتحرك عاجل على كل المستويات:
إصدار تشريعات صارمة تجرم الاشتراك أو الترويج أو التربح من مواقع المراهنات.
تكليف الأجهزة الأمنية بتتبع وإغلاق تلك الشبكات الإلكترونية الإجرامية.
إطلاق حملات توعية واسعة النطاق، تصل لكل بيت وكل هاتف.
التعاون بين وزارات التعليم، والداخلية، والاتصالات، لبناء جدار رقابي ضد هذا السُمّ الإلكتروني.
الرهان الآن على وعي الدولة والمجتمع..
إما أن ننتبه قبل أن نصحو على جرائم أبشع، أو نستسلم لهذا الزلزال الصامت الذي يهدد بتدمير أجيال كاملة، وتحويل أحلامهم إلى رماد.. كما تحوّلت جثة الضحية الأخيرة إلى كومة رماد على يد شاب قادته “لعبة” إلى أن يكون قاتلًا محترفًا.