
لم يعد الحديث عن غسيل الأموال مجرد قصة عابرة في تقارير اقتصادية أو صفحات الجرائم، بل صار واقعًا خطيرًا يتغلغل في شرايين الاقتصاد الوطني، خاصة في الأماكن السياحية التي تحولت –بفعل استغلال ضعاف النفوس– إلى بوابات خلفية لتبييض أموال قذرة، ناتجة عن تجارة المخدرات، والعملة، والأنشطة غير المشروعة.
الأماكن السياحية التي يفترض أن تكون واجهة مشرفة لمصر ومصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة، تحولت في بعض الحالات إلى غطاء ملوث لجرائم مالية ضخمة. خلف ستائر الفنادق والكافيهات والنوادي الليلية، يجري ضخ ملايين الجنيهات والدولارات القادمة من تجارة المخدرات وغسيل العملة، في محاولة لإضفاء الشرعية على أموال محرمة تعود بالنهاية لتدمير الاقتصاد، وإضعاف الثقة في بيئة الاستثمار.
غسيل المخدرات والعملات.. مسرح خفي في قلب السياحة
من أخطر أشكال هذه الجرائم ما يقوم به أباطرة تجارة المخدرات عبر استغلال منشآت سياحية لتدوير أرباحهم، بحيث يتم تمرير الأموال القذرة عبر حجوزات وهمية، وفواتير مفتعلة، وصفقات مزيفة، لتعود وكأنها “أموال نظيفة”. الأمر ذاته ينطبق على غسيل تجارة العملة، حيث يتم تحويل مبالغ ضخمة من السوق السوداء إلى أنشطة ظاهرها شرعي، وباطنها فساد ممنهج يضرب استقرار السوق المالي.
خطر مباشر على الاقتصاد
تأثير هذه الممارسات لا يقف عند حدود الجريمة الفردية، بل يمتد ليشكل تهديدًا مباشرًا للاقتصاد القومي. فغسيل الأموال في الأماكن السياحية:
يشوه صورة مصر السياحية عالميًا، ويجعلها عرضة للتقارير السلبية.
يخلق اقتصادًا موازيًا يلتهم فرص الاستثمار الحقيقي.
يضرب استقرار العملة الوطنية بفتح قنوات غير شرعية لتداول النقد.
يمول أنشطة إجرامية جديدة تعود بضرر أكبر على المجتمع.
ضرورة المواجهة الحاسمة
إن ترك هذه الظاهرة يتفاقم يعنى تسليم مفاتيح الاقتصاد الوطني لعصابات منظمة تتخفى خلف لافتات سياحية. ولا بد من مواجهة صارمة تبدأ بتكثيف الرقابة الأمنية على هذه المنشآت، وتفعيل آليات مكافحة غسيل الأموال في القطاع السياحي، وتطبيق القوانين بلا استثناء على أي شخص أو كيان يثبت تورطه.
إنقاذ الاقتصاد من براثن غسيل الأموال في الأماكن السياحية ليس خيارًا، بل فرض وطني يتطلب يقظة دائمة وحسمًا لا يعرف التهاون. فالسياحة يجب أن تظل مصدرًا للفخر والعائد النظيف، لا ستارًا يغطي قذارة تجارة المخدرات والعملات.