
غسل الأموال ليس جريمة عابرة يمكن التعامل معها كملف قانوني على الهامش، بل هو مرض سرطاني ينهش في جسد الاقتصاد القومي، ويترك آثاره المدمرة على كل مسار من مسارات التنمية والاستثمار. إن بقاء هذه الجرائم دون ردع حقيقي يعني فتح الأبواب على مصراعيها أمام شبكات الفساد والمخدرات والإرهاب، ويعني أيضًا دفع المستثمرين الحقيقيين للهرب من سوق موبوء بالمال القذر.
الاقتصاد النظيف لا يعرف طريقه مع أموال مسمومة تُضَخ في مشروعات وهمية، وتُستغل في شراء عقارات أو فتح شركات صورية لإخفاء أنشطة منحرفة. هذه الممارسات تمثل اغتيالًا متعمدًا لثقة المؤسسات الدولية، وتشويهًا لسمعة الدولة في التقارير المالية العالمية، وتضع البلاد تحت تهديد العقوبات والإدراج في قوائم سوداء.
الأخطر أن غسل الأموال يخلق اقتصادًا موازيًا غير مشروع، يتضخم على حساب الاقتصاد الرسمي، ويضعف قدرة الدولة على تحصيل مواردها، ويموّل أنشطة هدامة تضرب الأمن القومي مباشرة. إنها جريمة مركبة، تجمع بين الطمع الأسود والجريمة المنظمة، وتستهدف تقويض ركائز الدولة الحديثة من الداخل.
المواجهة هنا لا تحتمل التردد أو المهادنة. نحن بحاجة إلى قبضة من حديد، وتشريعات أكثر صرامة، ورقابة مالية تقتلع جذور هذه الشبكات من أساسها. ولا بد من فضح هذه الجرائم أمام الرأي العام، لأن التستر أو التجاهل يساوي شراكة ضمنية في الجريمة.
غسل الأموال ليس مجرد مخالفة مالية، بل هو خيانة للاقتصاد الوطني، جريمة في حق المواطن الذي يحلم بمستقبل أفضل، وعدو مباشر لكل استثمار نظيف. من يتهاون في مواجهته يضع الوطن بأكمله على حافة الانهيار.