
عاصفة من الاتهامات والتسريبات والتصريحات الغامضة تعصف بإحدى أشهر العائلات المصرية، عائلة الدكتورة نوال الدجوي، رائدة التعليم الخاص وسيدة الأعمال المعروفة، بعدما تحوّل الخلاف العائلي إلى نزاع قضائي مفتوح تتشابك فيه الثروة بالدم، والميراث بالولاء، والتاريخ بالحسابات البنكية. القضية التي خرجت من جدران القصور الفارهة إلى مكاتب النيابة وساحات القضاء تحولت إلى دراما مالية واجتماعية كاملة الأركان، أبطالها شيكات بملايين الدولارات، وعقود بيع قصور وفيلات قُدمت ببصمات يُشكك البعض في صحتها، وفيديو غامض أُرسل للنيابة العامة قلب موازين التحقيقات.
بداية الأزمة تعود إلى أشهر قليلة مضت حين تقدّمت إحدى حفيدات نوال الدجوي ببلاغ رسمي تتهم فيه أفرادًا من داخل العائلة بإجبار الجدة، التي تبلغ من العمر 91 عامًا، على التوقيع أو البصم على عقود تفريط في أصول عقارية وشركات تعليمية ضخمة. البلاغ تضمّن مستندات تخص بيع قصرين في التجمع الخامس والساحل الشمالي، تُقدر قيمتهما بمئات الملايين من الجنيهات، بجانب تنازلات مفاجئة عن حصص مؤثرة في إحدى الجامعات الخاصة. الدفاع شكّك في صحة البصمة المنسوبة إلى “ماما نوال”، مشيرًا إلى أن حالتها الصحية والعقلية وقت التوقيع كانت متدهورة ولا تسمح بأي تصرف قانوني أو تجاري.
في المقابل، قدّم الطرف الآخر ما وصفه بـ”الرد القاطع”، وهو شيك بقيمة خمسة ملايين دولار محرر باسم أحد الأحفاد، ومقاطع فيديو تُظهر الجدة وهي تتحدث بكامل وعيها عن رغبتها في “تقسيم الثروة بأيديها قبل أن ترحل”، وفقًا لما ورد في الفيديو الذي لم يُعلن رسميًا حتى الآن، لكنه عُرض على جهات التحقيق وسط غموض بشأن توقيت تصويره، وما إذا كانت هناك ضغوط مورست أثناء تسجيله.
الأكثر إثارة أن القضية لم تتوقف عند نزاع مدني بل دخلت طورًا أكثر تعقيدًا مع تحديد جلسة 26 يونيو المقبل للنظر في دعوى “الحجر” المقدّمة من بعض الأحفاد ضد جدتهم بدعوى “عدم الأهلية العقلية”، وهي الدعوى التي يُنظر إليها باعتبارها مفصلًا حاسمًا في مسار النزاع: فإما أن تُقر المحكمة بأن “ماما نوال” ما زالت بكامل قواها وتملك حق التصرف، أو تُعيّن وصيًا عليها وتفتح الباب لمراجعة كل ما وُقّع من عقود وتنازلات خلال السنوات الأخيرة.
المفاجآت لم تتوقف، إذ كشفت مصادر مطلعة أن تحقيقات موسعة تُجرى حاليًا في نيابة الأموال العامة حول تحويلات مالية تمت إلى خارج البلاد، يُشتبه في أنها جزء من خطة تهريب أموال العائلة إلى ملاذات آمنة تحسّبًا لأي قرارات قضائية قد تُجمّد الأصول داخل مصر. في الوقت ذاته، بدأت جهات رقابية مراجعة ملف إحدى الجامعات الخاصة التابعة للعائلة بعد ورود شكاوى بوجود تلاعب مالي في توزيع الأرباح خلال السنوات الخمس الماضية.
صراع المليارات داخل واحدة من أعرق عائلات المال والتعليم في مصر بات مفتوحًا على كل السيناريوهات، وسط حالة ترقّب شديدة في الأوساط القانونية والاقتصادية والإعلامية. الجميع ينتظر ما ستسفر عنه جلسة 26 يونيو، ليس فقط بشأن مصير “ماما نوال”، بل لتحديد مستقبل إمبراطورية مالية وتعليمية بُنيت على مدار أكثر من نصف قرن، وتوشك أن تنهار على وقع الخلافات العائلية وصراع الورثة.
هل تنجو نوال الدجوي من حصار عائلتها؟ أم تكتب المحكمة آخر سطور الإمبراطورة؟ الإجابة تنتظر ختم العدالة.