
لم يعد الخطر يتسلل إلينا من أبواب المخدرات وحدها، بل أصبح يغزو بيوتنا وأذهان شبابنا عبر “حفلات الخبط” و”حفلات النجر” التي انتشرت كالنار في الهشيم. تلك التجمعات لم تعد مجرد جلسات عبثية، بل تحولت إلى مشهد مأساوي يومي، تصاحبه موسيقى صاخبة تُعرف بين الشباب بـ”الخبط” أو “المتيلاك” – موسيقى مشوهة بلا روح، تعتمد على الضجيج والارتطام الصوتي، لتسحب العقول وتزرع داخلها حالة من الهوس والفوضى.
هذه “الموجات الصوتية المدمرة” لا تقدم فنًا ولا تحمل رسالة، وإنما تمثل انعكاسًا لانهيار القيم، حيث تُبنى على تكرار إيقاعات حادة متسارعة، تدفع المستمع لحالة من اللاوعي، وكأنها جزء من طقس شيطاني يُمهد لتعاطي المواد المخدرة. وهنا تكمن الكارثة: ارتباط هذه الموسيقى ارتباطًا وثيقًا بانتشار “البلاط” والمواد السامة بين الشباب صغير السن.
الأدهى أن هذه الحفلات لم تعد تُقام في أماكن مغلقة فقط، بل تُنظم أحيانًا في اماكن سياحية ومناطق سكنية، وسط غياب الردع، لتصبح مشاهد الرقص الجنوني على أنغام “الخبط والمتيلاك” أمرًا معتادًا. شباب بعمر الورود، يترنحون تحت تأثير المخدرات، يتباهون بفعل الحرام ويعتبرونه “ستايل” و”موضة”.
إنها ليست مجرد حفلات.. إنها مصانع لتفريخ جيل بلا هوية، جيل مُفرغ من القيم، منهزم أمام أوهام الشهرة والتمرد. ومن داخل هذه المصانع يخرج شباب محطم الإرادة، فاقد السيطرة، عُرضة للانحراف والجريمة والانتحار.
الخطر لا يتوقف عند حدود الشباب، بل يهدد المجتمع بأسره:
تفشي الجريمة كنتيجة طبيعية للتعاطي والإدمان.
انهيار منظومة القيم الأسرية.
خلق حالة من التطبيع مع الانحراف وكأنها جزء من الحياة اليومية.
إننا أمام ظاهرة تسحق العقول والأرواح معًا، فموسيقى “الخبط” و”المتيلاك” ليست مجرد إيقاعات، بل أداة مسمومة تستهدف الوعي الجمعي للمجتمع المصري.
ويبقى السؤال الحتمي:
هل نترك أبناءنا نهبًا لهذه “المهرجانات السوداء” التي تسلبهم حياتهم ومستقبلهم؟ أم نواجهها مواجهة شاملة تبدأ بتجفيف منابعها، ومحاسبة من ينظمها، وتجريم بث هذه الموسيقى الهدامة على المنصات الإلكترونية، بالتوازي مع إطلاق حملات توعية داخل المدارس والجامعات تشرح للشباب أن هذه ليست موسيقى.. بل سُم مغلف بالصوت.
لقد آن الأوان لإعلان حرب حقيقية على “حفلات الخبط والمتيلاك”.. فالصمت في هذه المعركة ليس حيادًا، بل خيانة للأجيال القادمة.