عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: القانون يطارد الأشباح الرقمية

في زمن لم تعد فيه الجرائم محصورة بالميدان ولا السلاح مقتصرًا على الحديد، صار الإنترنت ساحة حرب جديدة، وأصبحت «الجرائم الإلكترونية» شبحًا يهدد الأفراد والدول معًا. من الابتزاز الإلكتروني إلى سرقة البيانات، ومن النصب عبر المنصات الرقمية إلى تهديد الأمن القومي، تنوعت الأشكال وتشعبت الطرق، لكن المشرّع المصري لم يقف متفرجًا، بل وضع قانونًا صارمًا يحدد الملامح ويضرب بيد من حديد.

تشخيص الظاهرة أولًا

الجرائم الإلكترونية لم تعد حالات فردية أو استثناء، بل ظاهرة متصاعدة تتخذ من التطور التكنولوجي وسيلة، ومن الجهل الرقمي بيئة خصبة للانتشار. بعض الجرائم تبدو بسيطة كاختراق حساب، لكن نتائجها قد تكون كارثية تصل إلى الابتزاز، التشهير، سرقة الأموال، أو حتى التجسس على مؤسسات الدولة.

قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات

استشعارًا لخطورة التهديد، صدر قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، ليكون بمثابة درع قانوني في مواجهة مجرمي الإنترنت. القانون لم يأتِ عامًا أو إنشائيًا، بل تضمن مواد واضحة تُجَرِّم وتُعَاقِب وتُحَدد المسئولية بدقة.

أبرز الملامح التي حددها القانون:

1. الاختراق والاعتداء على نظم المعلومات:

أي دخول غير مشروع إلى شبكة معلوماتية، سواء بالتسلل أو البقاء دون وجه حق، يُعَد جريمة، يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة، وتشتد العقوبة إذا نتج عنها تعطيل أو تدمير بيانات.

2. جرائم الاحتيال الإلكتروني:

استخدام المواقع أو البريد الإلكتروني في النصب أو سرقة أموال الغير يعد جناية، تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد إذا ارتبطت بغسل أموال أو تشكيل عصابي.

3. نشر محتوى مخالف أو إرهابي:

القانون جرم استخدام الإنترنت في الترويج للأفكار المتطرفة أو نشر أخبار كاذبة تمس الأمن القومي، مؤكدًا أن حرية التعبير لا تعني التحريض أو الفوضى.

4. الاعتداء على الحياة الخاصة:

التجسس، تسجيل المحادثات، سرقة الصور، أو نشر بيانات شخصية دون إذن، كلها جرائم يعاقب عليها بالسجن، خاصة إذا تمت بدافع التشهير أو الابتزاز.

5. المسئولية الجنائية لمقدمي الخدمات:

لم يغفل القانون دور شركات الإنترنت، وألزمها بحفظ البيانات لفترة زمنية، والتعاون مع جهات التحقيق، تحت طائلة الغرامات والحبس.

النيابة جاهزة.. والأمن يرصد

لم تظل مواد القانون حبرًا على ورق، فالدولة، ممثلة في النيابة العامة ووزارة الداخلية – قطاع مكافحة جرائم التكنولوجيا، دخلت في سباق تقني مع مجرمي الفضاء الرقمي. وتم الكشف مؤخرًا عن عصابات ابتزاز ونصب إلكتروني استولت على ملايين الجنيهات عبر صفحات وهمية، وتمت ملاحقتهم والقبض عليهم باستخدام تقنيات تعقب متطورة.

مصر لا تحارب وحدها

اللافت أن القانون المصري تماهى مع الاتفاقيات الدولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية، مثل اتفاقية بودابست، ما يضمن التنسيق مع الدول الأخرى لتسليم المجرمين الفارين أو وقف منصات الإجرام العابر للحدود.

الوعي هو خط الدفاع الأول

 

رغم قوة القانون، إلا أن المواجهة تبدأ من المواطن.. من تأمين بياناته وعدم الانسياق وراء الروابط الوهمية أو العروض الزائفة. وهنا يلعب الإعلام والتربية والتعليم دورًا حاسمًا في نشر الثقافة الرقمية وتحذير الأجيال من الانزلاق في دوامة الجرائم الإلكترونية، سواء كضحية أو جاني.

خلاصة:

الجرائم الإلكترونية لم تعد جريمة عادية، بل معركة أمنية وتشريعية وثقافية في آنٍ واحد. والقانون المصري، برؤيته الشاملة، وضع ملامحًا واضحة ومشددة لحماية المجتمع، لكن تبقى المعركة الأكبر في الوعي.. لأن المجرم الإلكتروني قد يختبئ خلف شاشة، لكنه لا ينجو من عدالة تلاحقه بخوارزميات القانون وحدّة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى