
لا يقتصر العنف الأسري على الإساءات الجسدية الظاهرة، بل يتعداها ليشمل أمورًا أخرى كالتعريض للخطر أو الإكراه على الإجرام أو الاختطاف أو الحبس غير القانوني أو التسلل أو الملاحقة والمضايقة.
وذكرت دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للمرأة على مستوى العالم، أن التقديرات تشير إلى أن 35% من النساء في جميع أنحاء العالم، قد تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من الشريك الحميم في مرحلة ما من حياتهن أي بنسبة 1 \ 3 من السيدات حول العالم، قد تعرضن لأحد أشكال العنف خلال حياتهن.
◄ تصنيف العنف الأسري
وتشير بعض الدراسات إلى أن ما يصل إلى 70 في المائة من النساء تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من شريك حميم في حياتهن.
وحددت منظمة الصحة العالمية العنف الأسري، بأنه مجموعة من الأعمال القسرية الجنسية والنفسية والبدنية المستخدمة ضد النساء الراشدات والمراهقات من قبل الشركاء الحميميين أو السابقين من الذكور، ولا يقتصر العنف الذي تتعرض له النساء في كثير من الأحيان على الزوج الحالي فقط بل قد يشمل أيضًا الأزواج السابقين وأفراد الأسرة الآخرين.
قد يتعرض ضحايا العنف الأسري للعنف بسبب العزلة والخضوع للسلطة والسيطرة وثقافة القبول، ونقص الموارد المالية والخوف والعار أو لحماية الأطفال. كنتيجة للعنف قد يعاني الضحايا من إعاقات جسدية ومشاكل صحية مزمنة وأمراض عقلية وضائقة مالية وضعف القدرة على إقامة علاقات صحيحة.
◄ اضطرابات نفسية
ويعاني الضحايا من اضطرابات نفسية شديدة مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية. وغالبًا ما تظهر لدى الأطفال الذين يعيشون في عائلة تستخدم العنف مشاكل نفسية في سن مبكرة مثل العزلة والخوف الكبير من التهديدات.
وتزايدت حوادث العنف الأسري، مما ساهم في تفاقم المشاكل الاجتماعية والنفسية داخل الأسر.
◄ جريمة المنوفية
في محافظة المنوفية، تعدى أب على ابنه بالضرب المُبرح حتى الموت، وذلك بسبب رفض الطفل تنظيف الشقة. وكشفت التحقيقات أن الأب كان معتادًا على ضرب أبنائه كوسيلة للتأديب والسيطرة عليهم.
وفي حادثة أخرى بالمنوفية، قام والد محمد بالاعتداء عليه بالضرب المتكرر والمفرط حتى فارق الحياة في يده. وأكد الجيران أن والد المجني عليه كان معتادًا على ضربه دون سبب، بل كان يعتدي أيضًا على زوجته وربطها قبل طلاقهما.
◄ عنف الزوج
تقدمت إحدى الزوجات بشكوى ضد زوجها إلى محكمة الأسرة بـ أكتوبر ومحكمة الجنح، واتهمته بارتكاب أعمال عنف جسدي، وإلحاق أضرار مادية ومعنوية بها. وفقًا لشهادة الزوجة، فقد تعرضت للضرب المبرح من قبل زوجها، مما أدى إلى إجهاضها وتدهور حالتها الصحية والنفسية.
وأضافت الزوجة أنه تركها في المستشفى لمدة شهر كامل دون أي متابعة أو اهتمام. وعندما عادت إلى المنزل، وجدت أنه قد أخلاها من المنقولات واستولى على مصوغاتها الخاصة ومتعلقاتها. كما طالبها بالعيش في منزل الزوجية على الأرض «عقابًا لها»، بسبب رفضها تدخل شقيقاته في حياتهما الزوجية.
◄ أرقام صادمة
ووفقًا للمسح صحي للأسرة المصرية، الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2022، تعرض حوالي ثلث النساء اللاتي سبق لهن الزواج في الفئة العمرية 15-49 لشكل من أشكال العنف من قبل الأزواج. تتضمن هذه الأرقام تعرض 25% من النساء للعنف الجسدي، و22% للعنف النفسي، بينما تُسجل نسبة التعرض للعنف الجنسي حوالي 6%.
ولا يقتصر تأثير العنف الأسري على الأفراد فقط، بل يمتد ليشمل الأطفال أيضًا. أشار مسح التكلفة الاقتصادية القائم على النوع الاجتماعي، الذي صدر في عام 2015، إلى أن 300 ألف طفل يعانون من الكوابيس والخوف سنويًا بسبب عنف الأزواج. كما يغيب أطفال حوالي 113 ألف أسرة عن المدرسة نتيجة للعنف المنزلي، مما يتسبب في فقدان نحو 900 ألف يوم دراسي سنويًا.
◄ الازدواجية الدينية
من جانبه، قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن هناك نوعين من العنف: العنف السلبي، الذي يتجلى في التجاهل وتقليل أهمية وجود الشخص، والعنف الإيجابي، الذي يشمل الإيذاء الجسدي والسب.
وأضاف أن الانهيار الثقافي والأخلاقي والازدواجية الدينية، خطر يهدد المجتمع، موضحًا أن البعض أصبح خبراء في الدين، ولكن لا تطبق أسس الدين في المعاملات، لتصبح «قشرة خارجية» تساهم في انتشار العنف الأسري.
◄ التنشئة الاجتماعية
وكشف «فرويز»، عن أن أسباب العنف داخل الأسرة متنوعة، فمنها الحرمان العاطفي والشعور بالدونية، مما يؤثر على سلوك الأفراد.
في السياق، أكدت بدريه فوزي، استشاري تربوي وأسري، أن التنشئة الاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في زيادة انتشار العنف في الأسرة، حيث ينشأ الأفراد في بيئات عنيفة وتقبل العنف كوسيلة لحل النزاعات.
◄ وسائل التواصل الاجتماعي
وأشارت إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر العنف، لكن في ذات الوقت، أكدت على ضرورة استخدامها لرفع الوعي وتقديم الدعم للضحايا.
وأوضحت أن الأطفال المعرضين للعنف الأسري يعانون من مشاكل نفسية، تؤثر على تقديرهم للذات، وقدرتهم على تكوين علاقات صحية. وقد يصل الأمر ببعض الأمهات المعنفات إلى التفكير في قتل أطفالهن بدافع حمايتهم.
◄ تكاتف مجتمعي
وأكدت أنه لمساعدة الأطفال الذين تعرضوا للعنف الأسري، يجب العمل على وقف العنف وتعديل السلوك، وغرس الأفكار السليمة والمعتقدات الإيجابية، لتعزيز الصحة النفسية والعاطفية.
وأوضحت أن مواجهة ظاهرة العنف الأسري، تتطلب جهودًا متكاملة من جميع أفراد المجتمع، بدءًا من التوعية والتعليم، وصولًا إلى تقديم الدعم للضحايا وتطبيق القوانين التي تحميهم.