
في تحول تشريعي طال انتظاره، دخل قانون المسؤولية الطبية في مصر حيّز التطبيق، ليضع حدًا لحالة الجدل القديمة حول ما يُعرف بـ”الخطأ الطبي”، ويوضح لأول مرة بشكل قانوني فارقًا حاسمًا بين الخطأ والإهمال، وبين المضاعفات المحتملة والتقصير المهني.
من يحمي المريض؟ ومن يحمي الطبيب؟
لطالما وقف الطبيب والمريض على طرفي نقيض حين يقع خطأ طبي. المريض يبحث عن حقه، بينما يُتهم الطبيب غالبًا قبل التحقيق حتى. وهنا يأتي القانون الجديد ليؤسس لمعادلة متوازنة، تحمي المريض من الاستهتار، وتحمي الطبيب من الابتزاز أو العقاب غير العادل.
تعريف الخطأ الطبي.. ليس كل خطأ جريمة
بحسب المادة (2) من القانون، يُعرّف الخطأ الطبي بأنه: “الخلل الذي يقع في عملية التشخيص أو العلاج أو الجراحة أو المتابعة نتيجة مخالفة الأصول المهنية المستقرة دون مبرر مقبول”.
لكن القانون لا يُجرّم كل خطأ، بل فقط ما يكون ناتجًا عن إهمال جسيم، أو جهل بيّن، أو تقصير متعمد. أما المضاعفات العارضة أو النتائج السلبية غير المتوقعة في سياق علاج صحيح، فلا يُحاسب عليها الطبيب.
لا حبس إلا بقرار لجنة
الجديد الأهم في القانون أن أي بلاغ عن خطأ طبي لا يُحال إلى النيابة مباشرة، بل يُعرض أولًا على اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، وهي لجنة مستقلة تضم كبار الأطباء والقانونيين، تتولى فحص تفاصيل البلاغ وتحليل الملف الطبي.
إذا رأت اللجنة أن هناك خطأ جسيمًا، يُحال الأمر للنيابة، أما إذا كان الأمر مجرد مضاعفة محتملة أو نتيجة علاج مشروع، تُغلق القضية فورًا. وبهذا يمنع القانون الحبس الاحتياطي للطبيب إلا بعد قرار مهني محايد.
العقوبات: السجن والغرامة والإيقاف
ينص القانون على عقوبات متفاوتة بحسب حجم الخطأ ونتيجته:
إذا أدى الخطأ إلى وفاة المريض: يعاقب الطبيب بالسجن من 3 إلى 10 سنوات إذا ثبت الإهمال الجسيم.
إذا تسبب الخطأ في عاهة مستديمة: يُعاقب الطبيب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات.
غرامات مالية: تبدأ من 100 ألف جنيه وتصل إلى مليون جنيه في بعض الحالات.
شطب مؤقت أو دائم من سجلات المهنة: في حال تكرار الأخطاء الجسيمة أو الإهمال المتكرر.
كلمة أخيرة .. هذا القانون ليس سيفًا مُسلطًا على رقاب الأطباء، بل درع يحمي الجميع. هو دعوة لعودة الثقة بين المريض والطبيب، ولتأكيد أن العلاج أمانة.. وأن التهاون فيها لم يعد يُغتفر.