عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: الحسابات الخاصة.. بوابة إلى الجريمة

لم تعد الجريمة في العصر الحديث ترتدي الأقنعة السوداء، أو تحتاج إلى سلاح أبيض أو رصاصة طائشة. اليوم، قد تُرتكب الجريمة بكبسة زر، ومن خلف شاشة هاتف أو حاسوب، مستخدمًا حسابًا خاصًا على وسائل التواصل أو تطبيقات المراسلة، ليكون ذلك الحساب ستارًا لجرائم تواصل، أو نصب، أو ابتزاز، أو حتى تهديد أمن الدولة. وفي مواجهة هذا التحول الإلكتروني في الجريمة، لم يقف المشرّع المصري مكتوف اليدين.

 

القانون المصري، لا سيما بعد التعديلات المتلاحقة التي جاءت ضمن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، شدد العقوبات على من يستخدم أي وسيلة تقنية – سواء كانت حسابًا خاصًا أو بريدًا إلكترونيًا أو تطبيقًا مغلقًا – بغرض ارتكاب جريمة.

 

فوفقًا لنص المادة 25 من القانون المذكور، يُعاقب كل من أنشأ أو استخدم حسابًا خاصًا بهدف ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتتفاقم العقوبة بحسب طبيعة الجريمة المرتكبة من خلال الحساب؛ فإذا كانت الجريمة تمس القيم الأسرية أو تنتهك خصوصية الأفراد أو تنشر أخبارًا كاذبة، تكون العقوبة أشد.

 

وما يزيد من جدية القانون أنه لا يشترط وقوع الجريمة فعليًا، بل يكفي ثبوت نية الاستخدام أو التمهيد للجريمة، كإعداد الحساب وتخصيصه للتواصل مع ضحية محتملة، أو نشر محتوى يُعد تمهيدًا لجريمة إلكترونية. وهو ما يعني أن القانون لا ينتظر حدوث الضرر بل يتدخل استباقيًا، حمايةً للمجتمع.

 

وفي الحالات التي يكون فيها الحساب وسيلة لارتكاب جريمة تمس الأمن القومي أو تحرض على العنف أو الإرهاب، تُصنّف الجريمة على أنها جناية، وقد تصل العقوبة إلى السجن المشدد، مع مضاعفة الغرامة، ومصادرة الأجهزة المستخدمة.

 

اللافت أن القضاء المصري بات يتعامل مع الحسابات الافتراضية بنفس الجدية التي يتعامل بها مع الأدلة المادية في الجرائم التقليدية. فالأدلة الرقمية اليوم – من رسائل، وسجلات دخول، ومواقع إلكترونية – أصبحت كفيلة بإدانة متهم، وربما إنقاذ ضحية قبل فوات الأوان.

 

ويبقى على المستخدمين أن يدركوا أن العالم الرقمي لم يعد فضاءً حرًا بلا ضوابط. كل حساب خاص، وكل رسالة، وكل منشور، قد يكون خيطًا في جريمة، أو دليلاً ضد فاعلها. والقانون بات أكثر حسمًا من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى