
فضيحة مدوية تضرب أركان مستشفى جامعى يفترض أن يكون منارة للعلم والطب، فإذا به يتحول إلى وكر للنهب المنظم والسرقة الممنهجة. النيابة الإدارية كشفت المستور وأحالت مدير الحسابات وعدد 10 مسئولين إلى المحاكمة التأديبية العاجلة، بعد أن حولوا ميزانية المستشفى إلى غنيمة شخصية، واستولوا على 600 ألف جنيه كاملة عبر أوامر دفع إلكترونية وهمية.
القضية ليست مجرد “تجاوزات مالية”، بل جريمة مكتملة الأركان، خيانة وقحة للأمانة، واغتيال متعمد لحق المواطن الفقير فى العلاج والتعليم الطبى. المتهمون استغلوا مناصبهم ومفاتيح النظام المالى الإلكترونى، وابتكروا أوامر صرف لا وجود لها إلا على الورق، ثم ضخّوا الأموال فى حساباتهم، وكأن أموال الدولة ميراثًا مباحًا لهم.
كيف لمسئول يرتدى عباءة “الأمانة” أن يتحول إلى لص محترف؟ وكيف لمستشفى جامعى يخدم آلاف المرضى يوميًا أن يقع رهينة عصابة من الداخل، تسرق قوت المريض ودواءه، وتنهش حق الطالب فى التعليم والتجهيزات؟
هذه الفضيحة تعرى حجم الفساد المستتر داخل بعض المؤسسات، وتكشف أن غياب الرقابة الصارمة يفتح الباب واسعًا أمام اللصوص ليتلاعبوا بالمال العام بلا خوف أو رادع. إنها ليست جريمة مالية فقط، بل جريمة أخلاقية وإنسانية، إذ أن من يسرق من ميزانية مستشفى يسرق حياة، ويترك المرضى فريسة للوجع والإهمال.
إحالة المتهمين للمحاكمة العاجلة خطوة حاسمة، لكن الشارع المصرى ينتظر أكثر: أحكام رادعة، ومصادرة الأموال المنهوبة، ومنع هؤلاء الفاسدين من تكرار العبث بمقدرات الشعب. فالقضية لم تعد فقط فسادًا مالىًّا، بل قضية رأى عام، وجرس إنذار مدوٍ بأن الفساد إن تُرك دون اجتثاث سيظل ينخر فى عظام الدولة.
إن أخطر ما يواجه مصر اليوم ليس فقط الإرهاب المسلح، بل أيضًا الإرهاب المالى الذى يسرق من جيوب البسطاء ويحول المستشفيات إلى جزر معزولة للفوضى والنهب. وهنا تفرض الحقيقة نفسها: لا بد من ثورة إدارية ورقابية تعيد الانضباط، وتغلق الأبواب أمام كل من تسول له نفسه العبث بعرق هذا