عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: إخفاء الأدلة الرقمية في قانون جرائم الإنترنت

في ظل التوسع الهائل في استخدام التكنولوجيا والاعتماد المتزايد على الوسائل الرقمية في كافة مناحي الحياة، فرض الواقع ضرورة وجود قانون رادع لمواجهة الجرائم الإلكترونية، لا سيما ما يتعلق بإخفاء أو طمس الأدلة الرقمية، والتي تُعد جريمة خطيرة تعرقل سير العدالة وتُجهض جهود جهات التحقيق.

 

وينص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 على عقوبات صارمة لكل من يتعمد إخفاء أو حذف أو تشويه بيانات أو أدلة رقمية متعلقة بجريمة إلكترونية. ووفقًا للمادة (27) من القانون، فإن أي شخص يتعمد إخفاء دليل رقمي أو تغييره بقصد تعطيل العدالة أو إعاقة جهة التحقيق، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مئتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

 

وتزداد العقوبة إذا كان الفاعل موظفًا عامًا أو ممن يُناط بهم حفظ الأدلة أو التعامل مع البيانات الإلكترونية، حيث تصل العقوبة إلى السجن المشدد إذا ثبت أن الإخفاء تم بقصد التستر على جريمة تمس الأمن القومي أو تمس سلامة المواطنين.

 

وتشمل الأدلة الرقمية كل ما يُخزن أو يُرسل أو يُستقبل أو يُعالج بوسائل إلكترونية، من رسائل بريد إلكتروني، أو محادثات عبر تطبيقات الهاتف، أو ملفات صوت وصورة، أو بيانات موقعة إلكترونيًا، وهي مواد لا تقل في أهميتها القانونية عن الأدلة التقليدية مثل الأوراق والمستندات.

 

وتولي النيابة العامة وأجهزة وزارة الداخلية، وخاصة مباحث التكنولوجيا، اهتمامًا بالغًا بهذا النوع من الجرائم، حيث يتم فحص الأجهزة الرقمية المتحفظ عليها باستخدام تقنيات متطورة تستخرج الأدلة حتى وإن تم حذفها، كما يتم تتبع حركة البيانات ومصدرها وجهة إرسالها.

 

ويعد إخفاء الأدلة الرقمية تلاعبًا واضحًا بمسار العدالة، وجريمة لا تقل خطورة عن ارتكاب الفعل الأصلي، إذ أن الجاني في هذه الحالة يسعى لإفلات المجرمين من العقاب، وهو ما يتطلب ردعًا قويًا لحماية المجتمع والضحايا وضمان الوصول إلى الحقيقة.

 

ويؤكد خبراء القانون أن تغليظ العقوبات هو السبيل لحماية مسار العدالة الرقمية، خاصة في الجرائم التي ترتكب عبر الإنترنت، والتي غالبًا ما تعتمد على الدقة وسرعة الوصول للأدلة الإلكترونية قبل أن يتم العبث بها.

 

إن جرائم العصر الحديث لم تعد تقليدية، وكذلك أدواتها، وبالتالي فالقانون بات يطارد المتورطين رقميًا بنفس الصرامة، ويُحمّل كل من تسول له نفسه التستر أو التلاعب بالأدلة مسؤولية جنائية كاملة.

 

وهكذا تتسق نصوص القانون مع التحديات الرقمية، ليبقى المبدأ الثابت: لا حماية لجريمة، ولا إفلات من العقاب، مهما اختلفت الوسيلة أو تطورت أدوات الجريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى