عاجلمقالات

حسين محمود يكتب: أسود في الفيلات.. من يجرؤ على المحاسبة؟

في طنطا، لم يُفتح قفص نمر.. بل فُتح باب جحيم.. هجم الحيوان، وافترس المدرب، وسالت الدماء على أرض السيرك، كأنها رسالة مباشرة من الطبيعة تقول: “كفى عبثًا.. كفى استهتارًا!”

 

الحادثة صادمة، لكن ما هو أكثر صدمة أن المأساة لم تكن مفاجئة. كل المؤشرات كانت تنذر بالخطر، لكننا كعادتنا ننتظر الكارثة لتفاجئنا، ثم نتساءل: “إزاي حصل كده؟!”

 

لا يا سادة، هذه ليست مجرد واقعة في سيرك محلي. هذه جريمة كاملة الأركان، تبدأ من قانون عقيم، وتمر بـ جهات رقابية نائمة، وتنتهي بـ دم بشري أُهدر بلا تمن.

 

كيف يُسمح لحيوان مفترس بأن يعيش وسط الناس؟!

في أي دولة تُحترم فيها حياة البشر، لا يُسمح لأي شخص – كائنًا من كان – أن يربي أسدًا أو نمرًا أو تمساحًا في بيئة سكنية، أو حتى يعرضه أمام جمهور، دون شروط تأمين صارمة، وتراخيص محددة، ومتابعة حقيقية.

لكن في مصر؟ يمكنك أن تشتري نمرًا من مزرعة خلفية، تضعه في قفص، وتبدأ في عرض “ترفيهي”، دون أن يسألك أحد عن أي شيء!

 

أين الدولة؟ أين القانون؟ أين المسؤولية؟

أسود في الفيلات.. من يجرؤ على المحاسبة؟

 

في قلب أحياء راقية، خلف بوابات حديدية مصقولة، وفي فيلات فخمة مزودة بكاميرات مراقبة، تُربى الأسود وكأنها قطط أليفة. نعم، ليس مشهدًا من فيلم، بل واقعًا تعيشه مصر منذ سنوات بصمت مخيف.

هناك سيدات ورجال أعمال يقتنون نمورًا داخل منازلهم، ينشرون صورها على وسائل التواصل الاجتماعي للتباهي، ويتعاملون معها كأنها ألعاب ثمينة!

 

إحدى السيدات – معروفة على السوشيال ميديا – تُربي أسدًا داخل منزلها، وتُجري له جلسات تصوير، وتدّعي أنها “مؤهلة” للتعامل معه.

لكن ماذا سيحدث لو أفلت الأسد لحظة؟ من سيتحمل الثمن؟ هل نحن في دولة قانون أم في غابة كلٌ يفعل ما يشاء؟!

 

هذه الفوضى الأخلاقية لا تقل خطورة عن الفوضى القانونية. الأسد مكانه ليس في غرفة معيشة، ولا في قفص داخل حديقة خاصة، بل في محمية طبيعية مؤمنة، وتحت إشراف علمي دقيق.

فمن يردع هؤلاء؟ من يمنع الكارثة القادمة؟

 

“الإخطار عند الإصابة أو الوفاة”.. مادة قانونية لا يقرأها أحد

بمنتهى الصراحة، القانون المصري في هذا الملف ميت سريريًا. صحيح أنه ينص على ضرورة الإخطار الفوري عند حدوث إصابة أو وفاة نتيجة احتكاك مع حيوان مفترس، ويمنح السلطات الحق في مصادرة الحيوان، لكن الواقع أن هذه القوانين لا تُنفذ.

كم من حوادث تم التعتيم عليها؟ كم من ضحايا انتهت قصتهم بتقرير طبي و”دّية” تدفع تحت الترابيزة؟

 

أمام كل حادث هناك سؤال: لماذا لم تتحرك الجهات المختصة من قبل؟ ولماذا لا تزال هذه الأماكن تفتح أبوابها للجمهور؟ من يحمي هذه الأنشطة؟ من يُغطي على هذه المخالفات؟

 

“سيرك” أم ساحة قتل؟

ما حدث في سيرك طنطا، لم يكن عرضًا، بل كمينًا.

الجمهور دخل ليضحك، وخرج مذهولًا من منظر الدم.

أطفال أصيبوا بالرعب، وآباء ظلوا يصرخون بحثًا عن مخرج، ومدرب لقي حتفه وهو يؤدي “استعراضًا”.

 

لكن دعنا نسأل سؤالًا أخلاقيًا قبل القانوني: لماذا لا تزال الحيوانات تُستخدم في العروض الترفيهية؟

أليس هذا انتهاكًا صارخًا للطبيعة؟ أليس في ذلك خطر على الحيوان والإنسان معًا؟

 

ما بعد النمر.. صمت الدولة أخطر من أنيابه

 

منذ لحظة وقوع الحادث، لم نرَ أي بيان رسمي صريح من وزارة الزراعة، ولا وزارة البيئة، ولا هيئة الخدمات البيطرية، ولا حتى من المسؤولين المحليين في طنطا.

الكل اختبأ خلف عبارات مثل: “جارٍ التحقيق” و”ننتظر تقرير الطب الشرعي”… عبارات خجولة في مواجهة جريمة صاخبة.

يا سادة، الصمت أخطر من الحيوان. الصمت يعطي الضوء الأخضر لمزيد من الفوضى. الصمت معناه أننا لم نتعلم شيئًا، وسنظل ننتظر “الفاجعة القادمة” كي نصحو من سباتنا مرة أخرى.

 

النداء الأخير: أقفلوا الأقفاص!

ما نحتاجه اليوم ليس لجنة متابعة، ولا تحقيقًا روتينيًا، بل ثورة تشريعية ورقابية شاملة.

نحتاج قانونًا صريحًا يمنع امتلاك أو عرض أي حيوان مفترس خارج المحميات الطبيعية والجهات المرخصة.

نحتاج رقابة حقيقية، وليس موظفًا بيطريًا يأتي كل 6 شهور ليوقّع على ورقة ويمضي.

نحتاج مسؤولًا شجاعًا يخرج ويقول: “نحن مخطئون، وسنحاسب المقصرين”.

إن لم نفعل ذلك، فسيتحول كل نمر إلى قاتل محتمل، وكل أسد إلى مأساة مؤجلة، وكل تمساح إلى جنازة قادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى