عاجلمقالات

 حسين محمود: المحاكمات عن بُعد بين التطوير الرقمي ومخاوف العدالة

في خطوة تُثير الجدل بين مؤيدي التطور الرقمي والمدافعين عن ضمانات العدالة، شهد قانون الإجراءات الجنائية تعديلات جوهرية تسمح باستحداث نظام المحاكمات عن بُعد باستخدام وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة، المسموعة والمرئية. هذه التعديلات التي يُنظر إليها كضرورة لمواكبة العصر الرقمي تطرح تساؤلات خطيرة حول مدى تأثيرها على حقوق المتهمين وضمانات التقاضي العادل.

 

القانون بين الحداثة والعدالة التقليدية

لم يكن مفهوم التقاضي عن بُعد وليد اللحظة، إذ فرضته ظروف استثنائية خلال الجائحة، لكنه اليوم يُرسَّخ كإجراء قانوني دائم. التعديلات الجديدة تُتيح للمحاكم النظر في القضايا دون الحاجة لحضور المتهم أو الشهود جسديًا، مما يُمكن أن يُسرّع عجلة التقاضي، لكنه في المقابل يُثير علامات استفهام حول نزاهة العملية القضائية.

 

العدالة تعتمد على المواجهة المباشرة بين الخصوم، وعلى قدرة القضاة على تقييم المواقف من خلال لغة الجسد وردود الأفعال، فهل يُمكن تحقيق ذلك عبر شاشة رقمية؟ هل سنشهد محاكمات بلا روح، تعتمد على بيانات باردة بدلًا من قراءة مشاعر المتهمين والشهود؟

إعفاء الطفل من الحضور.. حماية حقيقية أم ثغرة قانونية؟

من بين أبرز النقاط المستحدثة في القانون الجديد، إمكانية إعفاء الطفل من الحضور أمام جهات التحقيق، والاكتفاء بسماع أقواله عبر وسائل الاتصال المرئي. هذه الخطوة، التي قد تبدو حماية للطفل من الضغوط النفسية والبيئية القاسية، تُثير تساؤلات حول مدى تأثيرها على مصداقية الشهادات.

كيف يمكن للقاضي أو المحقق تقييم صدق الطفل إذا لم يكن حاضرًا جسديًا؟ هل سيُترك المجال مفتوحًا أمام احتمالات التأثير الخارجي أو التحايل؟ إن لغة الجسد والانفعالات تلعب دورًا رئيسيًا في التحقيقات، فهل ستضيع هذه التفاصيل الجوهرية وسط تطور تقني قد يُستخدم بشكل خاطئ؟

 

مخاطر المحاكمات الرقمية.. هل تُهدد مبدأ العدالة؟

إن نظام المحاكمات عن بُعد قد يبدو حلًا عمليًا، لكنه يحمل مخاطر لا يُستهان بها، أبرزها:

1. إمكانية الإخلال بمبدأ علانية الجلسات: هل ستبقى المحاكمات متاحة للجمهور والصحافة كما في السابق؟ أم أن القيود الرقمية ستُحولها إلى جلسات مغلقة تخضع لمراقبة غير واضحة؟

2. التأثير غير المشروع على الشهود والمتهمين: إذا كان الشخص يُدلي بأقواله بعيدًا عن قاعة المحكمة، فهل يمكن ضمان أنه لا يتعرض لضغوط أو إملاءات أثناء الشهادة؟

3. فقدان التفاعل البشري المباشر: في قاعات المحاكم التقليدية، يمكن للقاضي ملاحظة تفاصيل صغيرة قد تُغير مجرى القضية، لكن في عالم المحاكمات الرقمية، قد تضيع هذه التفاصيل بين ثنايا الاتصالات الإلكترونية.

4. إمكانية الاختراق والتلاعب: هل تضمن المنظومة الرقمية أمان الجلسات ومنع الاختراق أو التلاعب؟ هل يمكن أن تتحول هذه المحاكمات إلى ساحة مفتوحة للهجمات الإلكترونية؟

بين الإصلاح والمخاوف.. ما الحل؟

لا شك أن التطور التكنولوجي ضروري، لكن يجب أن يكون ذلك في إطار يضمن العدالة الحقيقية، لا مجرد تسهيل للإجراءات على حساب الحقوق الأساسية. المطلوب هو وضع ضوابط مشددة لهذه المحاكمات الرقمية، بحيث لا تتحول العدالة إلى مجرد إجراء تقني خالٍ من الإنسانية.

 

قبل تطبيق هذه التعديلات على نطاق واسع، يجب أن يكون هناك نقاش مجتمعي واسع يضم القضاة، المحامين، منظمات حقوق الإنسان، والمجتمع المدني، لضمان أن التكنولوجيا تخدم العدالة، لا أن تكون سلاحًا يهددها.

 

إن العدالة لا تُقاس بسرعة الفصل في القضايا، بل بمدى نزاهة وشفافية المحاكمات، فهل ينجح القانون الجديد في تحقيق هذه المعادلة؟ أم أننا أمام بداية عصر من العدالة الرقمية المفرغة من روحها الحقيقية؟

 

تمت إضافة المزيد من التفاصيل وتعزيز العنوان ليكون أكثر قوة وجاذبية. إذا كنت بحاجة إلى أي تعديلات إضافية، فأنا جاهز!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى