
شهد الوسط الإعلامي والسياسي في مصر حالة من الجدل الواسع، عقب القبض على سيدة تُعرف إعلاميًا باسم “مذيعة”، رغم أنها لا تملك من المؤهلات سوى شهادة ابتدائية، وتم ضبطها بحوزتها كمية من المواد المخدرة داخل سيارتها بمنطقة التجمع الخامس. الواقعة، التي سرعان ما تصدّرت عناوين الأخبار ومنصات التواصل، كشفت حجم الفوضى التي بات يشهدها المشهد الإعلامي، وأطلقت تحركات برلمانية عاجلة تطالب بضبط هذه الفوضى وتشديد الرقابة على من يعتلون المنصات الإعلامية دون أدنى تأهيل أو ترخيص.
تفاصيل الواقعة: “إعلامية” بالشهادة الابتدائية والمخدرات في السيارة
بحسب بيان وزارة الداخلية، فقد تم ضبط المتهمة أثناء محاولة ترويج كمية من المواد المخدرة، حيث كانت تخفيها داخل سيارتها الخاصة في أحد شوارع القاهرة الجديدة. التحريات أثبتت أنها تقدم نفسها عبر قنوات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتستضيف ضيوفًا وتناقش قضايا مجتمعية، مدعية أنها إعلامية محترفة، رغم أنها لم تتجاوز المرحلة الابتدائية من التعليم، ولم تحصل على أي تصاريح من الجهات المختصة بمزاولة المهنة.
الأكثر خطورة في الواقعة أن المتهمة لها سجل جنائي، وتورطت سابقًا في قضايا نصب وتزوير، ورغم ذلك وجدت طريقها إلى منصة إعلامية – وإن كانت غير شرعية – للتأثير على الرأي العام، وتصدير خطاب غير مسؤول لجمهور غير مدرك بخلفيتها أو مؤهلاتها.
تحرك برلماني حاسم: تشريعات جديدة في الطريق
الواقعة دفعت عددًا من أعضاء مجلس النواب إلى التقدم بطلبات إحاطة عاجلة، موجهة إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة للإعلام، طالبوا فيها بضرورة مراجعة ضوابط الظهور الإعلامي، ومساءلة القنوات التي تستضيف أفرادًا منتحلي صفة إعلامي دون أي مراجعة لمؤهلاتهم أو خلفياتهم القانونية.
النائب علاء عابد رئيس لجنة حقوق الإنسان، شدد في بيان له على أن هذه الواقعة لا يجب أن تمر مرور الكرام، مؤكدًا أن الإعلام في مصر يجب أن يكون حكرًا على من يملك المؤهلات والتصاريح القانونية، وليس لكل من يمتلك كاميرا أو حسابًا على فيسبوك.
من جهته، قال النائب أحمد دياب عضو لجنة الثقافة والإعلام، إن هناك حاجة ماسة لتشريع جديد يُجرّم منتحلي صفة الإعلامي، ويُلزم كل من يظهر على شاشات القنوات أو عبر المنصات الرقمية بالحصول على تصريح مسبق من نقابة الإعلاميين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، حمايةً للوعي العام ومنعًا لتكرار مثل هذه الكوارث.
نقابة الإعلاميين ترد: لا تهاون مع المتجاوزين
أصدرت نقابة الإعلاميين بيانًا رسميًا، أكدت فيه أن السيدة المضبوطة ليست عضوة بالنقابة، ولم تحصل على أي ترخيص لمزاولة المهنة، مما يُعد مخالفة صريحة للقانون. وأشارت النقابة إلى أن لديها قائمة متجددة بأسماء المخالفين الذين ينتحلون صفة “إعلامي”، وأنها بصدد اتخاذ إجراءات قانونية ضد القنوات والمنصات التي تسمح بظهور هؤلاء الأشخاص دون تصاريح أو مراجعة مهنية.
خبراء يحذرون: فوضى الإعلام تهدد الأمن القومي
عدد من أساتذة الإعلام والإعلاميين المخضرمين عبّروا عن قلقهم من هذه الظاهرة، مؤكدين أن ترك الساحة الإعلامية مفتوحة أمام غير المؤهلين لا يُهدد فقط المهنة، بل يفتح الباب أمام الجريمة والتضليل والتلاعب بالعقول.
الدكتور سامي عبد الراضي، الخبير الإعلامي، صرّح بأن الواقعة تمثل جرس إنذار بوجود خلل هيكلي في منظومة الإعلام الرقمي، وطالب بسرعة تقنين أوضاع القنوات والمنصات التي تُبث من داخل مصر أو حتى خارجها، لكن تستهدف الجمهور المصري.
ختامًا: معركة الوعي لا تقبل التهاون
القضية ليست فقط “مذيعة مخدرات” أو سيدة انتحلت صفة إعلامية، بل قضية وعي مجتمعي يحتاج إلى الحماية والتوجيه. الإعلام مسؤولية وليس ساحة للتجريب أو للباحثين عن شهرة زائفة. والمطلوب الآن ليس فقط محاسبة المتهمة، بل إعادة النظر في آليات منح التراخيص، وتشديد الرقابة، وتكثيف التوعية لدى الجمهور بضرورة التفرقة بين الإعلامي الحقيقي والمحتال.