
عاش الجمهور العربي على مدار ثلاثين يوما خلال شهر رمضان العديد من الحكايات والأفكار والرؤى والتفاصيل التي جاءت من نسيج نجوم الدراما التليفزيونية، فتنوعت مشاعر المشاهدين بين المسلسلات الكوميدية والرومانسية والدرامية الشعبية والأكشن، كذلك تنوعت الآراء والتقيمات بين مسلسلات رمضان والتي تخطت الـ40 مسلسلا مصرياـ إلى جانب عدد كبير من المسلسلات الشامية الكثيرة.
حديثنا خلال هذا التقرير سيكون عن المسلسلات الرمضانية المصرية، وما قدمه صناع الدراما المصريون على مدار النصف الأول والثاني بالشهر المبارك، فالبعض استطاع أن يربح الرهان بتقديم منتج فني ذو قيمة عالية، والبعض سقط فى فخ الرغبة فى تصدر التريند على حساب القصة والحبكة الدرامية وآخرون فقدوا بالبوصلة الرئيسية للعمل وظهر للجمهور بلا قصة ولا أداء تمثيلي ولا كادر صحيح.
علامات مضيئة في الدراما التليفزيونية.. والشباب يسجلون الأقوى بالموسم
لم يعد أحد يستطيع إنكار أن خريطة المنافسة بمسلسلات رمضان قد تغيرت عن السنوات الماضية، فأصبحت الصدارة خلال ثلاثة أعوام متتالية لشباب الفنانين، وأصبحت أعمالهم أكثر حيوية وتفاعلًا بين المشاهدين والأكثر ثناءً من قبل النقاد.. فمن أقوي المسلسلات بالموسم الرمضاني المنصرم هو “ولاد الشمس” للشابان أحمد مالك وطه دسوقي “ولعة ومفتاح” اللذان استطاع أن يرسما لوحة فنية مليئة بالإبداع والحيوية والصدق.
ولاد الشمس
فقدم هذا العمل مآسي أطفال الملاجئ وما يعانونه منكبح رغبات وحرمان مستمر ووصمة عار تلتصق بأجبنتهم دون أن يكونا سببا فى ذلك، فيتم وصمهم بـ “ولاد الحرام” ويجبرون على أكل معين ولبس معين وتعليم معين وأيضًا جرائم معينة، فكشف المسلسل كيف تستخدم بعض دور رعاية الأيتام فاستخدام الأطفال والشباب في تعبئة وتوزيع المخدرات على يد صاحب الدار والتي جسد دوره النجم الكبير محمود حميدة الذي أثقل من قيمة “ولاد الشمس” مقدما دور بابا ماجد، ليضف بُعدًا فنيًا للشباب.
فسجلت جميع لقطات مسلسل “ولاد الشمس” من الحلقة 1 لـ 15 بعدد حلقات نسب مشاهدات مرتفعة إضافة إلى تداول قوي لأغنيات المسلسل التي جاءت من غناء بهاء سلطان والمغني الشعبي عصام صاصا، فسجلت أغنية “صاحبي” و“ولاد الشمس” نسب استماع بالملايين، كما استطاع كل طاقم العمل الحصول على الثناء الجماهيري الكبير بداية من أبطال العمل وحتى الفنانون أصحاب أول ظهور تمثيلي كالفنان مينا أبو الدهب وغيرهم الكثير.. بتوقيع المخرج عمر المهندس.
لام شمسية: حبكة وتشويق ورسالة
تلاه مسلسل “لام شمسية” العمل الذي استطاع تحقيق معادلة صعبة للغاية بتقديمه أجرأ فكرة لمسلسل درامي وعرضها داخل موسم ديني، وعرضها أيضا بشكل راق أقرب إلى الكمال، فـ قضايا المسلسل التي تنوعت ما بين التحرش بالأطفال والتشنج المهبلي والخيانات الزوجية جميعها أفكار قدمها العمل للجمهور العربي بشكل أنيق غير منفر وبدون مشهد واحد مقزز وهو ما برز إبداع مخرج مسلسل لام شمسية “كريم الشناوي”، الذي سبق وقدم العديد من الأعمال صاحبة القضايا القوية كمسلسلات “الهرشة السابعة، خلى بالك من زيزي.. وغيرها الكثير.
فبفضل القصة والحبكة الدرامية للمؤلفة المتميزة مريم نعوم والأداء التمثيلي الإستثنائي لأبطال العمل الأصليين كـ أمينة خليل، أحمد السعدني، على البيلي، والنجم محمد شاهين، إضافة لضيوف الشرف كـ يسرا اللوزي، على قاسم، أسيل عمران وثراء جبيل استطاع المسلسل أن يحلق فى سماء الأعلى مشاهدة بالوطن العربي، مظهرًا قيمة الفن الحقيقي وكيف يمكن للعمل الفني ان يكون ترفيهي جانبا الي جانب أن يدق جرس للانتباه والإفاقة عن المسكوت عنه ويدمر المجتمع المصري.
ظلم المصطبة.. ودروس الأداء التمثيلي
أيضا من أقوى العلامات المضيئة بموسم مسلسلات رمضان “ظلم المصطبة” للمثلث الفني القوي “ريهام عبد الغفور،فتحي عبد الوهاب، وإياد نصار”.. وهو العمل الذي قدم وبقوة جوانب خفية من الحياة الريفية المصرية، وبالتحديد مدينة إيتاى البارود بمحافظة البحيرة، فاستطاع العمل ان يلقي بأداء تمثيلي أبدع ما يكون الضوء على التقاليد العرفية التي تسيطر على المجتمع الريفي، وكيف يمكن لتلك القوانين غير العادلة أن تؤدي إلى تعقيد حياة الأفراد، وتدمير العلاقات بينهم، وذلك خلال قصص وحكايات إنسانية ورومانسية مشوقة.. جاء المسلسل بتوقيع المخرج القدير هاني خليفة وتأليف أحمد فوزى صالح.
قهوة المحطة .. كتابة ناضجة وبطل حقيقي
ومن الوجوه الشابة التي سجلت ركن ومساحة خاصة جدا لاسمه بين شباب رمضان 2025، الممثل أحمد غزي أو “مؤمن” الشاب الصعيدي الذي يؤمن بحلمه ويسعى لتحقيقه لكن صعوبات الحياة تقف حائط لتجبره على نهاية حزينة، فاستطاع “غزي ” أن يجسد العديد من المشاعر الإنسانية من تمني وانكسار وسعادة وحسرة بأداء تمثيلي سلسل مع إتقان تام للهجة الصعيدية المصرية، فظهرت أجواء المسلسل بفضل الأداء التمثيلي لغزي ورياض الخولي مع كتابة ناضجة للمؤلف عبدالرحيم كمال بشكل متماسك، لترسخ رسالة فنية للشباب أن يستمر فى محاولة السعي وراء حلمه دون الالتفات لما سيخسره جراء تحقيق هذا الحلم ففي الحياة ما يستحق العيش من أجله.
كما كانت هناك العديد من المسلسلات التي استطاعت أن تقتنص الاحترام الجماهيري من حيث قبول القصة مع الاستمتاع بالأداء التمثيلي على حد سواء ومن بينها؛ “المداح لـ حمادة هلال، حكيم باشا لـ مصطفى شعبان الذي برع فى تقديم القالب الصعيدي لأول مرة، ومسلسل وتقابل حبيب لـ ياسمين عبد العزيز، وكامل العدد الذي قدم موسم ثالث أفضل من الأول والثاني مستثمرا نجاحه الجماهيري، وأخيرًا وليس آخرا المسلسل الرومانسي الإجتماعي “قلبي ومفتاحه” بطولة النجمان آسر ياسين ومي عز الدين اللذان قدما أداءات صادقة وشكلا أقوى ثنائي رومانسي بموسم رمضان 2025..
أفكار قوية وأداء باهت: “معاوية، منتهي الصلاحية، والغاوي”
وبجانب الأعمال الفنية القوية التي ذكرنها بالأعلى، هنالك سلسلة من المسلسلات تم تقديمها بالموسم الماضي كان من الممكن أن تظهر بشكل أقوي مما تم تقديمه، فإمتلكت تلك الأعمال أفكارا قوية للغاية لكن الأداء التمثيلي الباهت والأخطاء الإخراجية الكارثية حالت بينها وبين النجاح الجماهيري، فمثلا مسلسل “أثنيا” لـ ريهام حجاج كان يستعرض جرائم الدارك ويب وهو عالم ساحر للدراما لما يحويه من سلسلة من القصص والمفاجآت التي لا حصر له ولكن بسبب البُهت التمثيلي والبطئ المميت في الأحداث ماتت الفكرة والإيقاع على الرغم من أن المسلسل كان يتمحور فى 15 حلقة فقط.
كذلك مسلسل “ معاوية” صاحب الـ 100 مليون دولار ميزانية والتي ظهر في 22 حلقة فقط، وحمل المسلسل في طياته العديد من الأخطاء الإخراجية الكثيرة واعتذار المخرج عن العمل ومؤلف قدم عملا دراميا للمرة الأولي فجميعها كانت أسباب للفشل التمثيلي والكتابة والإخراج.
كذلك مسلسل منتهي الصلاحية الذي كان من المفترض أن يقدم قضية تعد الأقوى في الموسم الرمضاني وهي قضية المراهانات والمقامرات الإلكترونية ما تفعله من تدمير للأسر وللشباب المصري، إلا أن نجم العمل “محمد فراج” وعدد قليل من المشاركين بالمسلسل كانوا على قدر من مسئولية تقديم تلك القضية إلا أن الكاستنج الخاص بمسلسل منتهي الصلاحية اختار العديد من الأسماء الفنية منتهية الصلاحية أيضا، جعلت من المسلسل باهتا وباردًا رغم حرارة قصته.
وغيرها من المسلسلات كــ “الغاوي” للنجم أحمد مكي الذي كان يسعي لتقديم صورة جديدة للبطل الشعبي الشاب الذي تتنوع ثقافته بين العربي والعالمي ويستمع لمزيكا الغرب ويقرأ لإصدارات الألمان جانبا إلى جانب ارتباطه بالحارة المصرية وعشقه لهوية تربية الحمام والوقوف والتكاتف بين أبناء منطقته وغيرها من المعاني الجميلة إلا أن البرود الإخراجي وقف عائقا لتوصيل جميع تلك المعاني الهامة وظهر المسلسل خاويا بشكل قاتل من أي معنى أو قصة أو مشهد تمثيل واحد، فظهر مسلسل “الغاوي” كموضوع تعبير غير مرتب..
كذلك استهون صناع عمل كلا من: ” جودر، والشرنقة، وحسبة عمري، والنص” لقيمة النص المكتوب والفكرة الفنية وراء تلك الأعمال وكان المط والحشو والأداء التمثيلي الضعيف عناصر العلل الذي أودى بحياة تلك الأعمال رعم قوتها.
مسلسل وحيد ينقذ الكوميديا الرمضانية
ومن أبرز الأزمات فى الموسم الرمضاني الأخير غياب البسمة عن مسلسلات الكوميديا التي تم تقديمها على مدار الشهر بالنصف الأول والثاني.. فقدم نجم الكوميديا محمد هنيدي “شهادة معاملة أطفال” مسلسلا بدون مشهد كوميديا واحدًا فلم تستطيع اية حلقة من الحلقات أن تحقق الهدف المطلوب منها وهي رسم ولو بسمة بسيطة على أفواه المشاهدين، كذلك مسلسل “ نص الشعب اسمه محمد” لـ عصام عمر ، ومسلسل “الكابتن” لـ أكرم حسني فكان الجمهور يعتقد انها مسلسلات كوميدية إلا انها فاجأت المشاهدين بأنه من الظلم إدراجها فى هذا القالب.. ومن يمكنا أن نقول أنه انقذ الموسم الكوميدي فى رمضان 2025 هو مسلسل “أشغال شقة جدا” تأليف الشقيقين شرين وخالد دياب، ومن بطولة النجم هشام ماجد ـ وهو المسلسل الذي تم تقديمه كموسم ثان ولكن بروح جديدة فاستطتع المخرج خالد دياب أن يذهب بأبطال المسلسل “أسماء جلال، ومصطفى غريب” إلى أداء تمثيلي جديد دون مبالغة أو إسفاف محافظا على مستوى الضحك الممزوج بالدراما جعله الأقوى كوميديا فى الموسم بلا أي منازع للعام الثاني على التوالي.
مسلسلات لـ التيك توك
وظهر بالموسم الرمضاني المنصرم قالب جديد من المسلسلات الدرامية وهي مسلسلا تصلح لـ “التيك توك” ومنصات السوشيال ميديا، حيث كان اعتماد أبطالها وطاقم الكتابة والإخراج على تصوير أجزاء يمكن اقتصاصها وطرحها على طريقة الريلز السريع، فتجد مشهد يليه مشدًا آخر دون ربط بين الأحداث ودون منطقيه فنية للأحداث فقط تم تصويره لأنه يصلح كما ذكرنا للريلز فقط.. وهو الأمر الذي ظهر بقوة في مسلسل “العتاولة” الموسم الثاني، فجاءت جميع مشاهد فيفي عبده وطارق لطفي وباسم سمرة ونسرين أمين بلا أي منطق ولا تسلسل ولا خدمة درامية للأحداث.. ولكنها استطاعت ان تنحج وتسجل أرقام قوية بمنصة تيك توكـ.. وهو الأمر ذاته بالمسلسل الذي قدمه الثنائي الفني حسن الرداد وإيمي سمير غانم “عقبال عندكم” فظهر العمل كإسكتشات كل هدفها اقتطاع ريلز وبثه عبر حسابات النجمان بمواقع التواصل الاجتماعي، فظهرت شخصياتهم بالمسلسل خاوية ليس لها تاريخ ولا مبرر درامي لتصرفتها.
دراما شعبية بنكهة رديئة
أيضا ظهرت مسلسلات تحاكي الدراما الشعبية ولكن بنكهة رديئة جدًا، فمثلا بمسلسل “إش إش” ظهر المخرج حى شبرا كونه حي ملئ بالراقصات والبلطجية وتجار المخدرات، كذلك اعتماد الصوت العالي والأداء التمثيلي المبالغ به سيد الموقف بين جميع طاقم العمل باستثناء فنانة وحيدة وهي “إنتصار”.. وهو العمل الذي يتشابه كثيرا مع مسلسل “سيد الناس” لـ عمرو سعد الذي أظهر البطل الشعبي بأنه بزيء اللسان وبلطجي وينتمي لعائلة إجرامية وتحاوطه المكائد بشكل قميء، علاوة على تشبع العمل بكم هائل من الإيحاءات والألفاظ الخادشة للذوق والحياء وبعضها وصل لسب الأديان دون سبب درامي في الأصل..
ولم يأتِ مسلسل “شباب امرأة” لـ غادة عبد الرازق التي قدمت الدور الشعبي فى هذا العمل بأسوء ما يكون ومبالغة غريبة بجميع المشاهد وافتعال لازمات لا اساس لها من أجل التداول لمسلسلها وهو ما فشل المسلسل أيضا في تحقيقه على عكس العتاولة، الذي فشل دراميا ولكن نجاح كمحتوى على السوشيال ميديا..