
بين جدران عتيقة تحمل عبق الزمن، وأحلام تلاشت خلف أبواب موصدة، يقف ملاك العقارات القديمة على أعتاب مستقبل مجهول، عيونهم شاردة نحو مجلس النواب، الذى تلقى مؤخرا مشروع الحكومة الخاص بالإيجار القديم، وقلوبهم معلقة بقرار قد يعيد إليهم شيئا من حقوق طال انتظارها، بعد أن قدمت لهم الحكومة مشروع قانون الإيجار القديم لمناقشته.
فى المقابل، تتصاعد أصوات المستأجرين، خوفا من رياح التغيير التى قد تقتلع جذور استقرارهم، قصص وحكايات إنسانية متشابكة، بين مطرقة الحاجة وسندان القانون.
فى هذا المشهد الدرامى المعقد، تتداخل الحقائق والروايات، وتتصادم المصالح والتطلعات، فهل تحمل الأيام القادمة فصلا جديدا ينهى هذه الأزمة الطويلة بعد تدخل الحكومة على الخط وتقديم مشروعها لمجلس النواب؟ أم ستبقى جدران الماضى شاهدة على صراع مستمر؟
فى تحرك جديد يعبر عن تصاعد أزمة قانون الإيجار القديم، أعلن مصطفى عبد الرحمن، المتحدث باسم “ائتلاف الإيجار القديم”، أن ملاك العقارات القديمة ينتظرون بفارغ الصبر خروج تعديلات قانون الإيجار القديم للنور، مؤكدا أن القرار الصادر من المحكمة الدستورية فى نوفمبر 2024 بعدم دستورية تثبيت الأجرة السنوية للأماكن المرخص بإقامتها لأغراض السكنى، خطوة جديدة نحو قانون يحفظ حقوق الملاك.
وأوضح المتحدث باسم الائتلاف أن تصريحات الدكتورة مى عبد الحميد، رئيسة صندوق الإسكان الاجتماعي، والتى أكدت فيها استعداد الحكومة لتوفير وحدات سكنية جاهزة للتسليم الفوري، وذلك فى حالة موافقة المستأجرين على التنازل عن الوحدات القديمة لصالح الملاك، شريطة التوثيق القانونى لهذا التنازل، يؤكد أن القانون والحكومة سيحفظان حقوق المستأجرين، ولن تضيع هباءا مع سن قانون يحفظ حقوق الملاك أيضا.
كما كشف ممثل الائتلاف عن قيام مجموعة من ملاك العقارات القديمة بتقديم وثيقة رسمية إلى لجنة الإسكان بالبرلمان، حددوا فيها مقترحاتهم بشأن تعديل القيمة الإيجارية وفقا للمناطق السكنية، حيث طالبت الوثيقة بأن يكون الحد الأدنى للإيجار الشهري: 2000 جنيه فى المناطق الشعبية، و4000 جنيه فى المناطق المتوسطة، و8000 جنيه فى المناطق الراقية.
مع اقتراح بمنح المستأجرين الحاليين مهلة زمنية مدتها ثلاث سنوات لتوفيق أوضاعهم، وبعدها يتم تحرير عقود إيجارية جديدة وفقًا للقانون المدني، لمن يرغب فى الاستمرار بالإقامة.
دعوة لإنهاء القانون بشقيه السكنى والتجارى
وقدم عبد الرحمن أرقاما قال إنها تعكس حجم الاختلال فى المنظومة العقارية بسبب قانون الإيجار القديم، حيث أكد أن عدد الوحدات الخاضعة لهذا القانون يبلغ حوالى 1.8 مليون وحدة سكنية وتجارية، من بينها نحو 450 ألف وحدة مغلقة لا تستغل، وقال إن المستفيدين من هذه الوحدات لا يزيدون على 2 مليون شخص فقط، أى ما يعادل 2٪ من عدد سكان مصر، معتبرًا أن هذه النسبة لا تبرر بقاء هذا القانون المجحف بحقوق الملاك.
وأعلن عبد الرحمن لجوء الائتلاف إلى إقامة دعوى أمام محكمة دار القضاء العالي، تطالب الحكومة بتعويضات عن فروق القيمة الإيجارية، استنادا إلى حكم المحكمة الدستورية الصادر فى 9 نوفمبر 2024، والذى أكد أن تثبيت الإيجار “يمثل عدوانا صريحا على حق الملكية”، وأن استمرار هذا الوضع يعد مخالفة دستورية واضحة، مشيرا إلى أن جلسة هذه الدعوى محددة بتاريخ 17 مايو 2025، معربا عن أمل الملاك فى استعادة جزء من حقوقهم التى أهدرها القانون القديم لعقود طويلة.
وعلى الجانب الآخر، أكد رئيس اتحاد مستأجرى مصر شريف عبد السلام الجعار أن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 9 نوفمبر الماضى بعدم دستورية تثبيت الأجرة السنوية للأماكن المرخص بإقامتها لأغراض السكنى، لا يعنى تحريرا كاملا لقيمة الإيجار، ولا ينص على طرد المستأجرين أو ربط الأجرة بالقيمة السوقية، كما يروج البعض، بل إن الحكم جاء ليؤكد على مبدأ أن الأجرة غير ثابتة مدى الحياة، مع ضرورة تحريكها فى إطار منضبط يراعى استقرار المجتمع ويحترم قواعد النظام العام.
وفى هذا السياق، أشار الجعار إلى أن بعض الإيجارات القديمة ظلت ثابتة لعقود طويلة، بلغت فى بعض الحالات أكثر من أربعين عاما دون أى تعديل، وهو ما يجعل الحديث عن تحريكها منطقيا، لكنه لا يبرر أى دعوات لتحرير عشوائى أو زيادات غير محسوبة، واعتبر أن الحل يكمن فى تشكيل لجان متخصصة لتقدير الزيادة وفق معايير عادلة تحفظ حقوق المالك ولا تعذر استقرار المستأجر.
وردا على مطالب بعض الملاك بربط الإيجار بالقيمة السوقية الحالية، أكد الجعار أن هذه المطالبات غير منطقية ولا تستند إلى أساس قانوني، لأن عقود الإيجارات القديمة أُبرمت فى ظل منظومة قانونية واجتماعية مختلفة تماما عن الواقع الحالي، فهى لم تكن خاضعة للأجرة القانونية الحالية، بل كانت تخضع لتقديرات لجان سابقة، أُنشئت فى ظل قوانين تراعى البعد الاجتماعى وتعفى هذه العقود من الضرائب العقارية.
وأضاف أن المستأجر فى تلك العقود دفع ما يعرف بـ”خلو الرجل” عند التعاقد، رغم أن القانون رقم 77 كان يجرم هذا الإجراء، إلى أن تم رفع التجريم بموجب قانون 81، وبالتالي، فإن المستأجر تحمل التزامات مالية إضافية تشبه مقدمات التمليك، وليس مجرد إيجار رمزى كما يشاع.
ولفت الجعار إلى أن ملاك الايجار القديم أنفسهم حصلوا على دعم مباشر من الدولة أثناء بناء هذه العقارات، تمثل فى قروض ميسرة بدون فوائد، وإعفاءات ضريبية، إلى جانب أن ترخيص البناء كان يمنح بغرض الإيجار وليس بغرض التمليك، وهو ما يؤكد أن العقود القديمة نشأت فى ظل علاقة قانونية متكاملة تختلف تماما عن واقع السوق الحالي، ويجعل المطالبة بتطبيق القيمة السوقية حاليا على تلك العقود أمرا غير منطقى وغير عادل.
وفى ضوء هذه الحقائق، طالب الجعار مجلس النواب، عند مناقشة أى مشروع قانون يتعلق بالإيجارات القديمة، بالالتزام الكامل بنصوص المادة 15 من القانون الحالي، التى تنظم آلية زيادة القيمة الإيجارية، مع الإبقاء على حق الامتداد لمرة واحدة فقط لأحد ورثة المستأجر الأصلي، كما أقر بذلك الحكم الصادر من المحكمة الدستورية.
وأوضح أن الحكم لم يتضمن أى نص يسمح بطرد المستأجر، بل وضع مبدأين أساسيين: أولهما، الامتداد القانونى لجيل واحد فقط من الورثة، وثانيهما، منح السلطة التشريعية الحق فى تعديل الأجرة صعودا أو هبوطا، على أن يتم ذلك وفق ضوابط ومعايير دقيقة يحددها القانون.